23 ديسمبر 2011

بعيون العدسة

26 تعليق

 قد لا تكون أجمل الصور، لكنها الأقرب إلي، لكل واحدة قصتها ودلالاتها، وبما أن السنة الحالية تهم بالانصراف، أردت تدوينة تجمع أقرب صور عام ٢٠١١ إلى قلبي، والتي التقطتها عدستي في أماكن مختلفة .


أستهل ببلدي المغرب، بمدينتي، أنظر إلى هذه الصورة فتسحرني عراقتها وعزتها وشموخها، هنا تاريخ أجدادي، هنا امتداد أصلي، عائلتي، أحبتي، دنياي، محياي ومماتي..هنا الحب الذي أزرعه في أطفالي، على أسوارها المجد يعلو علما أحمر، أحبها رغم زلاتها وتناقضاتها، أحبها بخيرها وشرها..لأننا حين نحب.. نغفر بسخاء .


أما هنا فموطن ثان، لا أستطيع أن أكون جاحدة في حقه، وإلا سأمارس الخيانة في وجه الحقيقة، منحتني باريس الكثير، وربما أكثر مما كنت أشتهي .. رغم مرارة الشوق ولسعة الغربة أحيانا ..
على ضفاف السين، وعلى جسر ألما بالضبط، أقف لأستريح كلما تبعثرت أفكاري، يمارس في هذا النهر الإغواء بجميع أساليبة، وأستسلم له طوعا كلما تملكني القنوط .


نظارة وكتاب..هذا كل ما يلزمني لأعيش لحظات خارج الزمان والمكان، وكأن الكتاب ثالث أطفالي، أعشقه حد الدهشة، حميمية تربطنا منذ أمد بعيد جدا، منذ أول قصتين  اشتراهما لي أبي.. ( الأميرة سنوهويت )  و ( الفارس الشجاع ).


من صالون التصوير الذي أقيم بباريس هذا العام، محطة مع العدسة، وسيلة تعبير كما الرسم والكتابة، صورة ثابتة صامتة، صمتها يقول الكثير ويختزن من المعاني ما تعجز عن ترجمته الأحرف..عالم الصورة الرقمي يضمن الانبهار على أعلى مستوياته، مهما تطورت التكنولوجيا الحديثة، وأساليب الإبداع، تظل الصورة الثابتة محل إبهار .


أما هنا فدهشة الطفولة وابتسامة الصبا وصفاء السريرة ونقاوة القلب..ما إن أتطلع إلى طفل حتى يهدأ البال لاشعوريا ويعاودني الحنين إلى ضفائري وعرائسي وألواني وأوراقي البيضاء المبعثرة..الأطفال نعمة من الله كبيرة..
الطفلة في الصورة روسية كانت تقضي إجازتها رفقة والديها بغابات كيمبرفينين الهولندية..كنت أصادفها كل يوم بروحها المرحة، استفزتني براءتها فالتقطت لها صورة ..


الخيول ثقافة عربية بامتياز..ما إن ألمحها حتى يتسلل إلى قلبي ذبيب شوق جامح، وحنين إلى العصور الذهبية، إلى عصر الشموخ، وعصر الفتوحات، تمر بخاطري الأندلس، كنسمة ترتعش لها أوصالي..بناياتها، أزقتها، دورها، أسوارها، بقايا المساجد والماذن، كل الأماكن التي مررت بها..
رغم أن الفرس في الصورة من هولندا، إلا أنه حملني ساعة توقفت قبالته في رحلة إلى بلاد العرب..


في الصورة هذه سويسريون يمارسون عادة الغرب التي لا تبلى، ثلاثة لا يعرفون بعضهم، جمعهم نفس المكان، ووحدهم كتاب لم تمنع برودة الطقس ولا تساقط أوراق الشجر لحظات المتعة رفقته..
حز في نفسي هذا المنظر، وقفت عن بعد أمعن النظر، أتفكر في ساعات قراءاتهم الطويلة ودقائق أمتنا الخجولة..


من أمام مقر الأمم المتحدة بجنيف، نصب هذا التمثال، للمهاتما غاندي..الرجل الأسطورة، المحارب السلمي وداعية اللاعنف، أراه فأتذكر كل ما قرأته عنه، حكمته وأقواله وسيرته وحياته ومماته..قليلون هم الذين تتحدث عنهم أفعالهم ..


استوقفني هذا الجسر..جسر ريالطو بفنيسيا..في شباط الماضي، يحمل ذكريات كثيرة، ربما حملته ما لا يطيق، لكنه أصغى إلي..مؤكد أنه يعرف حميميتي مع الجسور..لن أقول عنه أكثر، قد تقولون عني مهلوسة :)..


هنا فقط تحية لمضربي ول( فريديريك ) مدربي، أزداد قناعة يوما عن يوم بتعلقي بهذه الرياضة وحبي لها، شغف يجمعني بها منذ زمن، ويسعدني أكثر أنني مررت هذا الشغف لاشعوريا لصغيرتي، تسير في هذا الدرب بخطى ثابتة..
من يدري، ربما بعد سنوات أجدها ندا لي :)

كانت هذه المجموعة محط اهتمامي لهذا العام، أو بالأحرى أبرز ما استوقفني..هكذا رأتها عيون كاميرتي، باقة أخرى على الفليكر الخاص بي قد تقول ما نسيته...

محبتي لكم

16 ديسمبر 2011

مكتبتي لعام ٢٠١١

37 تعليق


حبذت في هذه التدوينة، كما العام المنصرم، القيام بجردٍ لأبرز الكتب التي قرأت، وتروقني مشاركتكم إياها..
استحسنت جلها تقريبا، عدا كتابا أو كتابين أشعراني ببعض الضجر، يعزى ذلك ربما لتطلبي الشديد واشتراطي عنصر الإبهار عند طي الصفحة الأخيرة..

لن أقف بإسهاب عند جميعها، لئلا أطيل عليكم، لكنني سأتوقف عند أبرزها.


كتابٌ حقق لي عنصر الإبهار، وأسميه كتاب السنة لدي، إنها رواية العملاق الفلسطيني مريد البرغوثي ( رأيت رام الله )، التي حازت على جائزة نجيب محفوظ للإبداع الأدبي عام ١٩٩٧، وترجمت لأكثر من ثمان لغات لأهمية الكتاب وجماليته، ولأنني أعي جيدا أن ما سأقوله لن يوفيه حقه، سأقترض فقرة لإدوارد سعيد من مقدمة الكتاب قال فيها " هذا النص المحكم، المشحون بغنائية مكثفة، الذي يروي قصة العودة بعد سنوات النفي الطويلة إلى رام الله في الضفة الغربية في سبتمبر ١٩٩٦ هو واحد من أرفع أشكال كتابة التجربة الوجودية للشتات الفلسطيني التي نمتلكها الان". 
ناذرا ما أذرف دمعة عند نهاية كتاب، فعلتها بعد هذه الرواية..


كان لدكتور الفكر والفلسفة المغربي الكبير محمد عابد الجابري حيز مهم من قراءاتي هذا العام، قرأت أجزاءه الأربعة في نقد العقل العربي، بدءا ب ( تكوين العقل العربي ) ثم ( بنية العقل العربي ) الذي شمل دراسة تحليلية نقدية لنظم المعرفة في الثقافة العربية، وبعده الجزء الثالث ( العقل السياسي العربي )، ويليه الجزء الرابع بعنوان ( العقل الأخلاقي العربي ) الذي شمل دراسة تحليلية لنظم القيم في الثقافة العربية...
لا يحتاج هذا المفكر أن أقول أن فقدانه كان خسارة كبيرة للفكر العربي برمته..


قرأت أحلام مستغانمي في نمط آخر من الكتابة، في مجموعة مقالاتها التي جمعتها على مدى عشر سنوات في زاويتها الأسبوعبة من مجلة زهرة الخليج، وصدرت في كتاب بعنوان ( قلوبهم معنا وقنابلهم علينا )، هذا الكتاب الذي تحدث عن حرب العراق وبوش بالأخص ونقد السياسة الأمريكية بسخرية لاذعة تحمل كما من المرارة..شيقة القراءة بين دفتي الكتاب رغم الحقائق المفجعة.


روايتين ومجموعتين قصصيتين، كانتا من نصيب الكاتب المصري بهاء طاهر، حيث قرأت  له ( الحب في المنفى )، هذه الرواية التي قالت عنها اعتدال عثمان: "اتسعت الرؤية في الحب في المنفى لتشمل الذات والوطن والعالم بشماله وجنوبه وبلغت خبرة الكتابة أوج نضجها"..والتي حصلت على جائزة أفضل رواية عام ١٩٩٥، كما قرأت له رواية (خالتي صفية والدير)، ومجموعتيه القصصيتين ( بالأمس حلمت بك ) وكذلك ( أنا الملك جئت )..


كان لي موعد مع أغاتا كريستي في روايتها ( في النهاية يأتي الموت ) والتي دارت أحداثها في مصر قبل أربعة آلاف عام، حيث تتفجر مشاعر أسرةٍ بقدوم زوجة أب جديدة ويبدأ الحقد والقتل..

بعض من الشعر، في كتاب ( أي ذاكرة تكفيك ) لثريا ماجدولين..فعلى حافة الشعر نستكين قبل أن نكمل المشوار..

قرأت كذلك لحنا مينا روايته ( البحر والسفينة وهي )..والتي دارت أحداثها في سفينة انطلقت من لبنان في رحلة طويلة تتضارب مشاعر ركابها وتتسارع الأحداث فيها، بطلها بدر الزرقا، ذلك القبطان السابق، وغيداء، سيدة أحلامه التي ما نسيها يوما إلى أن جمعهما القدر بعد سنوات طويلة..

رواية ( الحي اللاتيني ) لسهيل إدريس، جعلتني أعي مدى الصراع القائم بين الشرق والغرب، والذي اختزلته الرواية في الصراع ما بين بيروت وباريس، انطلاقا من تجربة المرأة، وفي صورة شباب أقاموا بباريس لمتابعة الدراسات العليا، وصولا  إلى مفارقات الدين والأخلاق والتقاليد، بين الشرق وأخلاقه ومدى صموده والغرب ونزعته الاستعمارية وتحرره..


من الكتب الفرنسية لهذا العام، قرأت (dans l'ombre de la reine)، الذي يتحدث فيه لطفي بن شرودة، خادم ليلى الطرابلسي عن حياته في القصر وأسراره، وعن كم العجائب التي كانت تحدث بعيدا عن الأنظار، كانت مخيفة فعلا تلك الاعترافات..

تمثيلية (السيد) لبيير كورناي، أظن معظمكم لديه نظرة عنها، تلك المسرحية الفرنسية التي أجمع النقاد والدارسون على اعتبارها فاتحة العصر الذهبي في تاريخ المسرح الفرنسي، هكذا تقول مقدمة الكتاب، وهكذا سيقول كل من اطلع عليها، قرأت عنها كثيرا، وهذه المرة أسهبت في ذلك بسخاء..


أما لأمين معلوف فقد قرأت : le périple de baldassare , adriana mater, léon l'africain, l'amour de loin



كانت لي قراءات إلكترونية أيضا، رغم أن المكتبة العربية على الآيباد لم ترتقي بعد إلى المستوى المطلوب، فالأخطاء الإملائية كثيرة والنصوص مبثورة، والأفكار مقتضبة.. لكن هذا لا ينفي جودة بعض الإضافات كديوان الأخطل وديوان جميل بثينة وديوان توفيق زياد وكذا كتاب كارل ماركس حول المسألة اليهودية، كما أعدت قراءة (كفاحي) لأدولف هتلر و (حرب العصابات) لأرنستو تشي غيفارا..


تفصلني الان بضع صفحات على إنهاء كتاب l'art français de la guerre، لأليكسي جيني، أستاذ علم الأحياء بليون، الذي حصل كتابه هذا مؤخرا على جائزة الغونكور الأدبية الفرنسية المرموقة  للعام ٢٠١١، والتي  تدور أحداثه بين  الهند الصينية والجزائر وتبحث في الحروب الاستعمارية وتتساءل عن  التراث الحربي الكولونيالي، هذه الرواية ترصد بشاعة الحرب وعبقرية  الفرنسيين وتفننهم في خوض الحروب..

هذا كل ما يحضرني الآن أيها الأحبة، أتمنى أن أكون قد وفقت في تسليط الضوء على بعض الكتب التي آراها غنية فعلا، زاخرة بالإفادة ، ومنهلا خصبا لمحبي المعرفة..

إلى جرد آخر العام المقبل إن بقي في الروح حياة..قراءة ممتعة للجميع  ^__^

12 ديسمبر 2011

شذرات ( ١ )

12 تعليق

أعود من سفرٍ إلى ذاكرة الطفولة
يوم من خريف باريس
ربيع جديد تخلقه سيدة الأساطير
وهي تلملم براعم أشجاري الميتة..
كم أتمنى بقائي على أرضك يا طيبة العينين
فتكوني ظل الأناشيد
وحاجز الخطيئة وزهرة الجسد
في ليل عرس أنت فيه كل نساء القبيلة
أنت فيه حبق حتى الصباح.. 
أحتاجكِ لأعود إلى نفسي..
أحتاجكِ لتعود إلي نفسي..



                 **********


من شتاء فينيسيا
وعاد الشتاء..
والجرار مملوءة بغيم السماء
من حبة المطر يبزغ فجر جديد
يغالبُ النعاس أحلامنا
وأصواتنا نائمة في قطن المساء
نسرو رويدا فوق الهواء
نسمع أصوات اليمام
نهديه حبة قمح..ثم نعود..
لنتواطئ مع كنزة الصوف والدفاتر..
وتعود الفراشات، تحط على أكتافنا..
نتبادل وإياها..أسماءً بللها المطر..



                 **********


من غابات كيمبيرفنين الهولندية
جئت أبحث عن تفاصيل الحلم
العالق في الطريق
ما بين الخريف والشتاء
ضاعت التفاصيل
بين العصافير المهاجرة تحت الثياب
ولفحة البرود..والغبار..ورائحة البخور
على أجساد الأحياء
أستحضر زرقة المكان
رسائلكَ وأجراسي
انهياراتك وخيباتي
وقبلة الجببن على مرأى  النسيان



                   *********



فجر من جزر الباليار الإسبانية
عيناكَ النائمتان
بين خطوط الفجر الأولى
وخطوط اليدين
تضيعان بين راحتيَّ
حين ينتفض ريش البلابل
ويحترق شجر ديسمبر في دمي
وأجلس في العراء
أرسم شكل الفرح المتطاير كالمفاجآت
أرسل أغنية إلى السنابل
تحملها الريح  الشمالية
قبل أن يأتي جنود المساء
وتتكوم الغيمات المغتربة
ويختفي ظلك خلف خطوات الليل 


04 ديسمبر 2011

الفصل الأخير

12 تعليق


خذ ضوء النهار والحبور والزمن الرغيد
وهاتِ الليل والوجع والقصيدة
دعني أرسم تقاسيم وجهي
على تجاعيد النهر الغامض
أُخبره اسم وجعي
 وأسمعه بعض النشيد
فقد اتضح الطريق..نحو السماء
والحمامة هناك، تقيس الأمل المهدور
المنثور فوق ملاءة العشق المبثور
المتكئ على وسادة المساء..
يكفي أن تكون هناك..
لترحل الأشياء بعدك 
ولا تعود.. 
 
أرتب مساء النسيان
في ليل زهيد عن الحب
تلفه الأمنيات الضيقة
على رصيف الانتظار
وأعاصير الليل
تحتضر بين الشراشيف البيضاء
جنب الدقائق الأخيرة
من الهزيع الأخير..

من شرفتي..
التي ترصد غابات الصنوبر..
أرى بياض الصباح
يطلع من بين أصابعك
مسافر مثلكَ
يعبئ وردة في صدره
اقتطفها من غيم السماء
وقبلة ارتشفتَها من آخر فكرة بحلم اللقاء
لم تكن فيها وحدك
كنا معا، نصغي لهمس المدى
وهو يحدث ضجة شهية في الأرجاء
...
أما وقد صار المساء ككل مساء
يحمل كيس الخيبات واحتمالات الوداع
وتأويلات لا تقبل الانتظار
حبلى بكمائن الشوق ولون الحريق
سأكتب الفصل الأخير 
من مسرحية ماتت على أرضها القصيدة
وأساطير الحب
كل ما فيها نابض، إلا الحب

سأنشغل عنك بالرسم والبحر وشمس الصباح
وسأعود من سفري نحو السراب
أحمل حقيبة الفرح المنسي
على حدود القلب وفي نشرة المساء
وسأنشغل عن لونك الأزرق بباقي الألوان
لتعود مهجة الشعر البهيج
تنمو أزهار اللوز
وتنتصر بداخلي الكتابة

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More