14 سبتمبر 2014

نشيد الليل الغائم

11 تعليق


يضيق بك سجنك الجميل، تفتح شرفتك على غد تحسبه أفضل، يأخذك إيقاع الصباح فتدور حول نفسك، تفتش عنك في ذرة هواء، في غمامة عابرة، في غصن ممتلئ بالحياة، في أرض رحبة لا تسعك..
تحاول أن تعود طفلا، أن تكبر على مهل، أن يصير عقلك الصغير مرتعا للخيال، تمشي ببطء تتحسس طريقك الوعرة، تخشى السقوط في هوة لا قرار لها، تبحث عن رائحة الورد وبرد كانون..
تتمسك بخيط مشدود إلى هاوية ليأخذك إلى الغد.

تعود القهقرى، تتحايل على رجليك لتحملانك، تشتاق ثرثرة تدحر عزلتك وتطرد الصمت الجاثم عند باب غرفتك، تضغط على زر التلفزيون لتشاهد نشرة الأخبار: ذبح وسلخ، سيارات مفخخة وأحزمة ناسفة، ثورات وكبوات، معارك الخبز والأمعاء الخاوية، تحصي الضحايا قتلى وجرحى.. تلعن أرضا حبلى بالموت ووطنا بالكاد يتنفس، تنفض غبار الألم من حولك وما تركته الأوطان المتناحرة.. كيف طُردتَ من الباب؟ تبصق على بؤس الحاضر وضمير العالم وأنت تحاول تذكر اسم آخر الأحياء..

يدوي بداخلك عويل مجلجل، تصرخ بلا صوت، يجيبك الصدى: 
أنت الهارب من معركة خاسرة، أنت المسافر في السراب، أنت نحيب الأرامل، أنت تأوهات العذارى، أنت الشاهد على ولائم الذبح، أنت قلق المنفى، أنت حطام الذاكرة، أنت الماضي بلا ذكريات، أنت الشاعر بلا قصيدة، أنت الأشجار العارية، أنت رائحة الحنين المزيف، أنت الحاضر ملء الغياب، أنت الحلم المنسي، أنت أنين النايات، أنت نواح الكمنجات، أنت الوطن المغمى عليه.. أنت العابر في زمن عابر.

ترحل في سفر بلا حقائب ولا عنوان، يتبعثر القوم كالريش وتتكسر الجرار العتيقة، يرفع البحارة شارة الهزيمة وتبحر السفن بلا أشرعة، يعلق الغرباء راياتهم في ذيل الغيمة، تشيح بوجهك نحو مجهول جديد وتخطفك رغبة في البكاء لذكرى الغائبين، يرميك قريب بوخز الإبر ويتواطؤ مع القدر لتمليح جرحك الغائر، تتمرن على إخفاء الدموع وينبت فيك وجع معادٍ للبلاغة، تنظر إلى الساعة وتنتظر موعدا لن يأتي.. تتوسد البياض وتنام لتحلم بيوم آخر وبجنة قد تكون وقد لا تكون..

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More