28 أكتوبر 2010

حينما يطرق باب التساؤل

3 تعليق


من قال أن حواسنا تكذب مخطئ بالفعل، فالبعد اللاعقلاني للسلوكات والممارسات التي نقوم بها والتي تلبس في الغالب ثوب اللامنطق، تؤكد ذلك، وسرية العواطف التي نخفيها عمدا، يكاد يفضحها الشعور الذي يأتي خلسة، في وقت تخوننا فيه مادة الإحساس، نفقد معها المناعة العاطفية، ونبقى عراة، إلا من شعورنا، نتملص من ذلك الإحساس الفجائي، الذي يباغتنا، ونحن في قمة البحث عن شيء آخر، نستسلم لغريزة الرغبة فينا، لأنها جاءت تتناسب والفراغ الذي يعتري الذات، فنواجهها برغبة أكبر، وخوف أقل..

كله غير عقلاني..أجل، لكن، أليس ذلك مؤشرا على عظمته، وهو يناقض الأزمنة، ويعيش في تضاد؟؟..

شيء ما قد يهرول بك، لتجد نفسك قرب ذلك الهاتف الذي ترضيك رنته، أو تلقي نظرة على صفحة مكتظة احتلتها جيوش من الآدميين، وقد يزج بك الأمر في نهاية المطاف لتجلس فوق سرير يحترم عطرك، وتترقب المسافات، وكأنك جالس على حافة قدرك..فقط تترقب..

تتعلم فنون الحياة من خدوشك، وإخفاقاتك، فلا أحد سيعلمك إياها، سوى تلك العثرات الصغيرة، والكبيرة، وترضى عما تخلفه الرواية لأنك من سيكتب نهايتها، وإن كانت إلى الآن تبدو غامضة بين عينيك، أو لا تريد إنهائها، لئلا تختزل مسافة الشوق، وتعيد يقظة الأحلام..

تطمئن للكلمات، لهمسات القلب، تسترخي وهي تداعب مسمعك، مع أنك تتوجس منها، لأنك تعرف جيدا أن الكلمات الجميلة سريعة العطب، وقد يبطل استعمالها لسبب أو لآخر..

ستترك الرواية للحياة، تكتبها، ليتحقق وهم التفوق، فهو يتحقق بالكتابة لا بغيرها، وتنتظر لتكتسب الأشياء قيمة أكبر، فتكون بذلك الأقرب إليه، لأنه الشخص الذي انتظرته أكثر، وهكذا تترك للحلم عمرا أطول، ليتمدد على مساحة الزمن، ويضع  ملامح وجهه دون مشقة..وسط أروقة ذاكرتك..

25 أكتوبر 2010

جبال تافوغالت تنحدر نحو شاطئ السعيدية

7 تعليق



هنا الوجوه تعرفني، والأماكن تنتظرني، الصخرة الصامدة، ونفس لحظة الغروب، على صوت الأمواج تتكسر على جسدي، أعشق لحظات الحب هذه، التي تجمعني بهذا المكان، بين الفينة والأخرى ..



كل ما هنا يعرف قصتي، النوارس من حولي، الصخور الصلبة التي ترقبني من أعلى، حتى حبيبات الرمل ههنا تدرك مناجاتي ..




خيوطها اللامعة تفقد بريقها الآن، وتتحول في استحياء، إلى حمرة تنسدل لتزين السماء بفستانها الأحمر الجذاب، تغازل زرقة البحر في خجل، تفقده عذريته ليصير انعكاسا للآلئ براقة بلون لا يوصف ..
في هذا المكان، لا حاجة للتنميق، فكلماتي تولد هكذا، دون ترميم، عارية، إلا من معناها، هنا فقط تجد متسعا لها نبضاتي، هنا فقط، أكون ما أريد أن أكون ..
ولازلت هنا، أهيم في هذا المزيج الساحر من الألوان، يتلون معه شعوري، وتخضع حواسي لتأثيره، فأكون أميرة نفسي، أخذرها، لتنعم بقسط أوفر من لحظة الدفء هذه ..


فوحده المكان يقرؤني، يستوعبني، قبل أن يحتضن أسراري الصغيرة والكبيرة، ويسردها على مسمع مني عندما أعود بعد حين لكنفه .
هنا يتغير شكل الابتسامة، ورائحة العطر، وطعم الحب .. تتغذى المخيلة من آخر شعاع ظل صامدا، وتشبع بصدى موجة قبل أن يستكين البحر كليا، ليستسلم في نعومة لليلة قمرية هادئة ..
كل ما هنا ممتلىء بي، مع كل خطوة تروى قصة، ومع كل وقفة تبنى حكاية، يستقبل زفرات الروح، يختزنها بأمل، فهو يعرف جيدا، أنني ولو بعد غياب .. أعود دائما إليه ..

18 أكتوبر 2010

الشبكة الاجتماعية - The social network

4 تعليق

حسنا، بما أنه وصل للصالات السينمائية الباريسية فسأذهب لمشاهدته اليوم، الفيلم الذي يروي قصة مؤسس موقع الفايسبوك  Marc Zuckenberg، وكيف تحول الحلم الصغير الذي بدأ بالتواصل بين طلبة جامعة Harvard المرموقة إلى أكبر موقع على الشبكة العنكبوتية ، والذي يفوق مستعملوه 500 مليون مستخدم، وهو ما شبه بثاني أكبر مجتمع في العالم بعد الصين ..



يحتل فيلم The social network الصدارة هذين الأسبوعين في الولايات المتحدة الأمريكية ويتربع على عرش التذاكر هناك، بما يفوق 46 مليون دولار، وينتظر أن يحقق أعلى نسبة نجاح هذه السنة ..

سأعود إليكم بعد ساعتين تقريبا من الآن، هو عمر الفيلم لأرسم لوحة عنه هنا..مع بضع صور  سألتقطها..




خرجت من الفيلم مملوءة بالدهشة، كيف لطموح بسيط ومنافسة بين طلبة جامعة  وخيبة أمل في الحب، أن تولد أصغر ملياردير في العالم في لمح البصر، ويصير موقعه في غضون 6 سنوات يقدر بما يفوق 25 مليار دولار ، وكان قد أنشىء بمبلغ لا يتعدى 1000 دولار في بدايته ..
جسدت شخصيات الفيلم بإتقان وإبداع متناهيين، تقمص فيها Eisen Eisenberg شخصية مؤسس الموقع Marc Zuckenberg، إضافة إلى دور البطولة الذي لعبه Justin Timberlake ، بتنسيق مميز من المخرج David Fincher ..


الفيلم يصور بالأساس العقبات العديدة التي مر بها مؤسس الموقع منذ نشأة فكرته، التي اقتصرت في البداية على إيجاد طريقة للتواصل بين طلبة جامعة Harvard، انتقلت بعد ذلك إلى الجامعات الأخرى لتشمل في وقت وجيز دولا عدة، وتصل في النهاية إلى العالمية، وما صاحب ذلك من إشكاليات نجم عنها دعاوى قضائية وجهت ضده من طرف شريكه وكذا الأخوين اللذين اتهماه بسرقة فكرة الموقع ..


لن أحرق أوراق القصة لمن لم يشاهدها بعد .. أكتفي بالقول أنها قصة تحوي الكثير من الأحاسيس الممتزجة، من تجربة فاشلة في الحب، إلى الشدائد التي واجهت بطلها، ثم الصداقة والنجاح والدسيسة والشعور بالوحدة، إلى دعاوى قضائية..سيفصل فيها في النهاية، ويظل إلى الآن الجزء الآخر منها مبهما ..وهكذا تستمر هذه التجربة إلى الآن، يطمح فيها مؤسس الموقع حسب قوله إلى التجديد على نهج عالم الموضة الذي لا يأبى سوى الاستمرارية على مر السنين ..

17 أكتوبر 2010

الإرهابيون الجدد

3 تعليق

هو نتاج لستة أشهر من الدردشة عبر المواقع الإلكترونية الاجتماعية، باللغات الثلاث، العربية، والفرنسية والإنجليزية، للقيام بدراسة جامعية بحثة حول الإرهاب الجديد، الذي ولده الويب بصفة خاصة، هكذا قال ماتيو غيدار، الأستاذ الجامعي بجنيف والخبير في شؤون  الجماعات المسلحة . اهتديت إلى كتابه صدفة في إحدى المكتبات، وقد أُصدر منذ مدة قصيرة باللغة الفرنسية، أثار فضولي عنوانه أولا، فالحديث عن الإرهاب أصبح محور الساعة، والأسطوانة التي تلقى على مسامعنا، نتجرعه كأقراص قبل وبعد كل وجبة، يستهلكنا هو قبل أن نفعل نحن .

الصفحات الأولى من الكتاب أوحت لي بضرورة تكملته، فنحن عادة عندما نسمع كلمة إرهاب، تقفز إلى أذهاننا مباشرة هوية عربي أو مسلم، وذلك لما تحاوله وسائل الإعلام الغربية  لترسيخ هذا المفهوم في أذهاننا، وربطه بالأساس بعقيدتنا، ليأتي ماتيو غيدار ويفند هذه الصفة المرتبطة بدين الإسلام، معتمدا في تفنيده على دراسة قام بها خلال أشهر ستة آنصرمت، والذي قال فيها أنه صادفته حالة بنسبة ١ في المئة تتعلق بدافع حث الدين الإسلامي على ذلك، عداه، هي أسباب سياسية بالدرجة الأولى وسيكولوجية نفسية تتلوها..ولا علاقة لها بتاتا بدين الإسلام .

بل أن أبرز العمليات الإرهابية التي صارت تمارس، ينفذها أشخاص عاديون مثلي ومثلك ومثل الآخرين، ينقمون على الوضع الذي آلت إليه البلاد، منهم أشخاص غربيون أو مغتربون، اعتنقوا الإسلام، وربما ولدوا ونشأوا بنفس البلد الذي سينفذون ضده هذه العمليات، وذلك ناجم عن الحقد والكراهية التي يكنونها لسياسة البلد وساسته، أو لتناقض هوياتهم مع هذه البلدان، وتأتي هنا السياسة الأمريكية في طليعة قائمة الدوافع التي تجعل هؤلاء يقدمون على هكذا أعمال، كرفضهم للتدخل الأمريكي في أفغانستان مثلا .

الإرهابيون الجدد، أو أبناء الأنترنيت ، كما سماهم الكاتب، تزايد عددهم بهيمنة الويب وتلك الشبكات الاجتماعية، حيث تخلق الأمة الافتراضية التي يتبادل فيها الآخرون المعلومات والآراء وأشرطة الفيديو، والذي قد يصبح معها الشخص العادي ممتلئا بأفكار قد تغيره في لمح البصر .
كما كان حال عمر فاروق عبد المطلب، المدان في قضية محاولة تفجير الطائرة الأمريكية القادمة من أمستردام قبيل هبوطها في ديترويت شمال الولايات المتحدة ، أو فيصل شاه زاد، المتهم بتنفيذ  محاولة تفجير سيارة مفخخة بميدان تايمز سكوير في نيويورك .

أشار الكاتب كذلك إلى نوع آخر من الإرهاب، وهو ما سماه بالإرهاب الانعزالي، الذي ينفرد صاحبه في عزلة عن الآخر، ويسعى لكسب معلومات أوسع عبر الشبكة العنكبوتية، لتحقيق أهدافه التي رسمها لنفسه، وفي هذه الحالة يلعب العامل النفسي دورا أقوى لما يحسه هؤلاء من تهميش في المجتمع، قد يخلق انفصاما في الهوية، يشعر معها القادم على هذه الأفعال بنبذه من طرف الدولة المضيفة التي تمس بهويته أو لا تحترم عقيدته، أو ببساطة يعارض توجهاتها .
هذا وقد أشاد في الأخير، عن كون الإرهاب الحالي أصبح مسألة أوروبية وأمريكية محضة، مشكلة يجب أن تعالجها هذه الدول أنفسها، بتبنيها لسياسات تحترم هوية الآخر، ولا تمس بعقيدته، وتسعى لدمجه وسط مجتمعاتها، اندماجا إيجابيا، قد يسحق مفهوم الإرهاب، ويحقق السلام للجميع .

12 أكتوبر 2010

ستجدني بين المسافات العجفاء ..

7 تعليق

لم تكن لتحدث بشكل آخر، هكذا قدر لها أن تكون .. وكانت ..
هناك أشياء تتجاوز حدود المعقول، تأتي هكذا، بغتة، ربما يصعب على الآخر فهمها، حتى نفسك، تقبلها، لكن بعين حائرة ..
تضطر لإخفاء المسببات، وتدحض كل ما يوصلك إلى اليقين ..
لا تعرف، إن كان قرارك خاطئا، أو صائبا .. لكن البديل مجهول، والمواجهة لا مفر منها ..
قد يؤولها كما يشتهي، ربما يلتمس لك عذرا إن كان يقرؤك بقلبه، وقد ينقم عليك إن استعصى فهمك عليه .. ويبقى شعورك أنت على المحك ..
لكنك اتخذت القرار، أو أجبرت عليه، لا يهم .. ولا مجال للتراجع .. قد تصيبه حججك بحزن إضافي، وقد تعذبه التأويلات الجمة، فتصبح سطورك شهادة وفاة على أي شيء جميل ربط بينكما ..
تتمنى لو يفهم، أن المساحة ستبقى شاغرة، ومحال أن يملأ داخلها، قد لا تجد بعده من يتطابق مع آمالك، وأوجاعك .. لكنك ستبتسم، فقط تبتسم .. لأنك  بعينيه ستظل ذلك الشخص الضنين الكلام ، الذي لا يشبع تساؤلاته، ستلملم أشلاء ذاكرتك، وتضعها في مكان ما .. هنا مثلا .. تكتب دون تفكير، ودون قيود، تحرر اللغة من القواعد، وتتحرر من الأرق بداخلك، تكفن الورق الأبيض بقلم غالبا ما يكون أسودا، وتنشره بضاعة على الملأ، لا لشيء، سوى أن تبعث له بعضا منك، فقد يحدث ويرتشفها وهو مار من هنا، هذا إذا كان لا يزال يتذكرك ..
ستواصل كمن تذكر شيئا، مع أنك لم تنسى شيئا أصلا، والحقيقة أنك لا ترغب في تجاوز الأمر، لأنه يشغل تفكيرك .. ستحاول التخلي عن قناعاتك، وأنت في قطار العمر مسافر، واقفا .. عند خط الوصول .. تكون آخر النازلين ..

11 أكتوبر 2010

العهد الثائر

4 تعليق

 وسط  أفكاري المزدحمة، تراني أعبر الأزمنة، وكأني أخلد ذكرى يومية لعهد كان فيه الحب زاهرا.. وأسو د الحمى على أبواب القلاع تزأر.. أسود بشرية، أتلذذ بنحتها على حائط مخيلتي، فيكون لوقعها التأثير الأكبر على قلب ضاق بعيشة الحاضر.. 


كيف أستغني عن هذا الحلم، وهو مراودي منذ الأزل، لا يكاد يفارقني هنيهة، ينقلني على بساط حريري إلى زمن كان فيه الإحساس جميلا، والشعر جميلا، حتى الموت جميلا.. 
أعانق ما حفظته جعبتي، تتجدر فيّ الرغبة من جديد، ليستمر الحلم، تحركه طاقة خفية، تقودني بخطى ثابتة، لتستسلم له هواجسي.. 
تقصر المسافة، وأنا في طريقي لعصر النبلاء... هنا الخيل الأصيلة، السيوف اللامعة، هنا البيداء، هنا الفتوحات والانتصارات، هنا تصنع الحضارة، تحمل شعلة العقيدة، هنا الحياة للدين، للعلم، للعقل، للأدب، للغة، للفن، والموشحات..

هنا نبغ أبو القاسم الزهراوي في علم الجراحة، وأتقن ابن السمح الغرناطي الحساب والهندسة، وبرع ابن باجة في صناعة الطب وعلم الهيئة، هنا ولد ابن رشد، ابن قرطبة الجميلة، آخر فلاسفة العالم الإسلامي وأكبر فلاسفة العالم، على هذه الأرض الطيبة، ترعرع الحكيم العالم الأجلُّ، ابن البيطار المالقي، عالم النبات، الطبيب والصيدلي والعشاب البارع...ولازال حلمي تغذيه أسماء العباقرة ممن اكتسحوا ساحة المجد.. 


جادك الغيث إذا الغيث هما ** يا زمان الوصل في الأندلـــــــــس
لم يكف وصلك إلا حلمــــــا  **  في الكرى أو خلسة المختلس


ما أعظمك يا لسان الدين ابن الخطيب، وأمثالك من ابن زيدون، و ابن زهر، و المعتمد بن عباد..أنتم أكثر من العد والحصر، ظلت أشعاركم وموشحاتكم تسكن الفؤاد جهرا إلى الآن.. 
قوم تأصلت فيهم صفات الرجولة، تركوا ورائهم مجدا وبطولة، ماتوا زمن كان الموت شجاعة وفحولة.. 



لقد ولى..فلم أعد أجد منبتا للقلوب المشرقة، للفحات الحب المحرقة، لنيران الثورة المتأججة، للانتصارات الخارقة.. تكبر في الرغبة..ولا وسيلة لإشباعها، غير الوقوف على أطلالهم، مرتين كل عام، صور، وقلم أناجيه، أتركه بين ممرات التاريخ، تائها، يعاتب الحلم..لما لم تتحقق

03 أكتوبر 2010

متى تقرأ "أمة إقرأ"؟

18 تعليق

المكتبات تعج بهم، فرادى وجماعات، يقرؤون هنا وهناك، في الميادين، في باحات الاستراحة، في المواصلات، داخل أنفاق المترو، في الشوارع، والمقاهي..في كل الأمكنة، أينما تولي وجهك تجد أحدهم منغمسا وسط كتاب...هذا حال فرنسا وغيرها من الدول الأوروبية التي تقدس الكتب وتبجل كاتبيها.

وأنت في باريس، ترى كيف هي القراءة جزء من حياتهم اليومية، عشق الكتب متفشي بين مختلف الطبقات الاجتماعية، هنا الطبعات سريعة النفاذ، والقراء كثيروا الطلب، إنها أساس حضارتهم، فقد بُني تاريخهم انطلاقا من حركة فكرية قادها الثوار والمثقفون والمفكرون، زمن الثورة الفرنسية، وبقي هذا الارتباط بالثقافة قائما منذ القرن التاسع عشر، وانتقل عبر الأجيال ليصل إلى يومنا هذا.


فلا التكنولوجيا الحديثة، ولا الأنترنيت،زحزحت مكانة الكتاب من عقول الفرنسيين، أو انتقصت قيمته، ولم تؤثر أبدا على هذه الممارسة اليومية في لذة المطالعة، بل ظلت تحتل أولوية لديهم، وتشكل جزءا من تراثهم يعتبرونها كبقية وسائل الترفيه والترويح عن النفس، معايشتها أساسية، فهم يؤمنون بضرورتها ويحرصون على مداومتها .


ما نلحظه من هؤلاء الأوروبيين، يزيد من حنقنا، نقف فيه على واقع القراءة في العالم العربي، الذي لا يتعدى معدله 6 دقائق في السنة، مقارنة بنظيره الأوروبي الذي يمثل 36 ساعة سنويا، إنه لأمر مخجل حقا، واقع مزري، ويدعو في نفس الوقت للقلق..فإلى متى هذا النفور من الكتاب، وهل سيزيد عدد القراء يوما أم نحن في إدبار متواصل، وأمتنا سوادها الأعظم بحاجة لمعرفة حروف الهجاء .


هناك عوامل عدة أثرت سلبا على هذه الممارسة، وأدت إلى تراجعها بشكل مخيف، فعزوف الشباب بالأساس، سببه إيقاع العصر الحديث، الذي يتسم بالسرعة، والذي هيمنت فيه القنوات الفضائية، بشتى أشكالها، وسيطر فيه الأنترنيت على باقي وسائل المعرفة، وكثرت فضاءات اللهو والترفيه، وتلاشت الرغبة في التحصيل أصبحت الدراسة من أجل النجاح فقط، خالية من خصائص المتعة، وغاب التوازن في التوفيق بين هذا وذاك، فصرنا ندفع غاليا، ضريبة التقدم وسلبيات التكنولوجيا .


وهنا أشير إلى الدورالفعال، الذي تلعبه العائلة، في تفادي تفاقم هذه الظاهرة بين أبنائنا، فتنمية عقل الطفل، تبدأ من سنواته الأولى، وذلك بإشباع فكره بقصص تنمي خياله وتفتح أمامه مجالا للتأمل والتفكير، حتى تنمو معه الرغبة في حب العلم وشغف المعرفة، ليصبح خلالها الكتاب أفضل جليس، وتصاحبه لذة أثناء مرافقته .


القراءة فن لمن يتقن خاصياته، وهواية لمن يقدر قيمتها، فالفكرة المقروءة تصل بسرعة إلى ذهن المتلقي، تظل راسخة ومتجدرة، والكتاب سلعة رابحة لمن أراد الغنى، 
نكتسب معها معارف قد تغير مجرى حياتنا، وتساهم في اتخاذ قراراتنا، وكيف نتركها نحن أمة الإسلام، وقد كانت أول تكليف في القرآن.

01 أكتوبر 2010

لندن..مدينة الضباب

7 تعليق



عادة لا أحب الحافلات..لكن هنا الأمر مختلف، هي الطريقة المثلى للوقوف على معالم المدينة بشكل أوضح، وكيف تزور لندن ولا تستقل الحافلات الحمراء..تلك المكونة من طابقين، تجول بك شوارع المدينة لتقف عند كل معلمة قدر ما تشاء..وأنت تستمع فيها لشروحات وافية عن كل محطة.. وبما أن الفندق قريب من ميدان بيكاديلي، لا بأس بجولة فيه قبل متابعة مسيرتي..



بيكاديلي..هو أشهر ميادين لندن، ففيه تتمركز التجارة بشكل كبير، يضم أكبر المحلات التجارية والأسواق الضخمة إضافة إلى المسارح والمطاعم وصالات السينما...هو قلب المدينة، يعج بالسياح وساكنة البلد على السواء..قيل لي أنه من المستحيل التجول فيه دون مقابلة شخص ما تعرفه..هكذا قالوا..



نمط الحياة عندهم سريع كما هو شأن غالبية الدول الأوروبية، الكل مشغول، مسرعوا الخطوات هم، لا مجال لتضيع الوقت..هنا يقدرون قيمته..أو ربما هم مجبرون على ذلك..
الحافلة هنا..سأستقلها إلى برج البيغ بين، هو أهم معالم المدينة، تسميته ترجع إلى وزير الأشغال البريطاني أنذاك بنجامين هول، الذي أشرف على تنفيذ مشروع الساعة وتصميم برجها..ولضخامة الرجل كانوا يسمونه بيغ بين، فأطلق على الساعة هذه التسمية تكريما له، والتي تزن 12.5 طن، وتعد أشهر جهاز لقياس الزمن في العالم..
إنها فعلا باهرة بتصميمها الرائع الذي يشدك إليه كما هو حال مبنى البرلمان البريطاني ودير ويبمنستر الذي توجد به مقابر ملوك البلاد، إنها فعلا تصاميم دقيقة ومميزة جداً ..

مما لفت انتباهي كذلك ممارسة اللندنيين لرياضة الجري، شوارعهم لا تخلو من ممارسي الرياضة، عكس ما كنت أعتقد، منتشرون في كل مكان، وكيفما كانت حالة الطقس..
المحطة القادمة  ستكون جسر البرج -tower bridge- المقام على ضفتي نهر التايمز وهو الجسر الأعلى ارتفاعا وقد شيد أساسا لحل مشكلة عبور النهر من قبل المهندس جوهن ولف باري، الذي فاز بمسابقة أفضل تصميم عنه  ..إنه ضخم للغاية ومشيد بطريقة ملفتة، وقد بناه صاحبه على هيئة ميزان..
الحافلة مرة أخرى، هذه المرة إلى متحف مدام تيسود، لكن قبل ذلك سأتوقف عند بائع المثلجات..ممم..إنها مغرية بالفعل..وخاصة عندما تكون بنكهة الفانيلا والفراولة..طعمها مميز..



والان إلى المتحف الذي لطالما رغبت في زيارته، أشهر متاحف الشمع بالعالم، نسبت تسميته إلى مؤسسته مدام تيسو، الفرنسية الأصل..ما يضمه من تماثيل لشخصيات عالمية تجعلك تقلب صفحات التاريخ وأنت ماثل أمام تمثال شكسبير، تشرشل، أو هتلر..
استراحة في أحد مطاعم المدينة قبل مواصلة الجولة، والوجبة ستكون fish and ships، سمك وبطاطس مقلية..صراحة لا أعلم لماذا هي الأشهر لدى البريطانيين..عني وجدتها عادية جداً، لذيذة، لكن لا أكثر..ربما لأن المطبخ البريطاني أقل تعقيدا من نظيره الفرنسي..



سأنهي فترة الاستراحة بفنجان قهوة مع الحليب، مع أنني لست أبدا من محبيها، لكن الفضول دفعني لتذوقها، يقال أنها خاصة..إنها فعلا خاصة..الإنجليز لا يعترفون بفناجين القهوة..وكأن الكوب لستة أشخاص.ابتسمت لرؤيتها..كما هو الحال عندهم بالنسبة لباقي المشروبات..لا يتعاملون مع الحجم الصغير أبدا..كل ما هنا مختلف عن باريس.

وأنت في لندن، لا تنسى التوقف عند قصر باكنغهام، أبرز معالمم السياحة البريطانية، وأشهر صروح العالم..ألقي نظرة على المقر الرسمي لملوك ابريطانيا..واستحضر التاريخ العريق للمملكة..ماضيها، وحاضرها..


يكفي لهذا اليوم،  كان حافلا بالاستطلاعات، الساعة متأخرة، وأشعر بالإعياء، لذلك لا ضير في العودة إلى الفندق، نوم عميق، وغذا يوم آخر..

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More