من قال أن حواسنا تكذب مخطئ بالفعل، فالبعد اللاعقلاني للسلوكات والممارسات التي نقوم بها والتي تلبس في الغالب ثوب اللامنطق، تؤكد ذلك، وسرية العواطف التي نخفيها عمدا، يكاد يفضحها الشعور الذي يأتي خلسة، في وقت تخوننا فيه مادة الإحساس، نفقد معها المناعة العاطفية، ونبقى عراة، إلا من شعورنا، نتملص من ذلك الإحساس الفجائي، الذي يباغتنا، ونحن في قمة البحث عن شيء آخر، نستسلم لغريزة الرغبة فينا، لأنها جاءت تتناسب والفراغ الذي يعتري الذات، فنواجهها برغبة أكبر، وخوف أقل..
كله غير عقلاني..أجل، لكن، أليس ذلك مؤشرا على عظمته، وهو يناقض الأزمنة، ويعيش في تضاد؟؟..
شيء ما قد يهرول بك، لتجد نفسك قرب ذلك الهاتف الذي ترضيك رنته، أو تلقي نظرة على صفحة مكتظة احتلتها جيوش من الآدميين، وقد يزج بك الأمر في نهاية المطاف لتجلس فوق سرير يحترم عطرك، وتترقب المسافات، وكأنك جالس على حافة قدرك..فقط تترقب..
تتعلم فنون الحياة من خدوشك، وإخفاقاتك، فلا أحد سيعلمك إياها، سوى تلك العثرات الصغيرة، والكبيرة، وترضى عما تخلفه الرواية لأنك من سيكتب نهايتها، وإن كانت إلى الآن تبدو غامضة بين عينيك، أو لا تريد إنهائها، لئلا تختزل مسافة الشوق، وتعيد يقظة الأحلام..
تطمئن للكلمات، لهمسات القلب، تسترخي وهي تداعب مسمعك، مع أنك تتوجس منها، لأنك تعرف جيدا أن الكلمات الجميلة سريعة العطب، وقد يبطل استعمالها لسبب أو لآخر..
ستترك الرواية للحياة، تكتبها، ليتحقق وهم التفوق، فهو يتحقق بالكتابة لا بغيرها، وتنتظر لتكتسب الأشياء قيمة أكبر، فتكون بذلك الأقرب إليه، لأنه الشخص الذي انتظرته أكثر، وهكذا تترك للحلم عمرا أطول، ليتمدد على مساحة الزمن، ويضع ملامح وجهه دون مشقة..وسط أروقة ذاكرتك..