28 ديسمبر 2010

ما أقسانا عليك يا وطن

13 تعليق


حملنا القضية صبية بين أيدينا، كبرنا، ولازلنا نحلم بالنصر..

ها هي ذي ذكرى عدوانك الموجعة أيها الغاشم على غزة النابضة تطل علينا، تتربص بنا، تفضح جبننا، تطيح بكبريائنا..فماذا حضرنا لها يا ترى؟!..أقلامٌ ..أوراقٌ..تغطيات إعلامية باهتة، شعاراتٌ.. أشعارٌ!!
هذا كل ما نجود به في زمن تخاذلت فيه الشعوب عن تأدية واجباتها، والحكومات غيرت انتماءاتها، وصرنا كالجرذان نهرب دون وجهة محددة..

زمن لم يجد فيه بنو صهيون رادعا لهم، ولا المتصهينين من يكبح لجام جشعهم وينهي تجبرهم.. القضية صارت أكبر من قضية، والكلمات فيها تجاوزت أبجدية الحروف، لا من يعري الحقيقة، ولا من يغيث الأرض ونعال اليهود تدوسها دوسا..
فما الذي تبقى بعدما استبيحت أعراض الشرفاء وقتل الأبرياء، مُزقت الأجساد، نُكل بمناصري الحق، وتناثرت الأشلاء..ماذا تبقى بعدما خنا الدم والبلد، خنا الشهداء والثورة، واغتصبنا ضحكة الولد..؟؟

وسنظل ننتظر، نردد أشعار درويش والقباني، وأناشيد الثورة..؟؟..نترقب ظهور المهدي ونرثي صلاح الدين ونصيح أينك يا عمر ؟؟ 

تعب القلم من شعارات الحرية
نريد ثورة، ضجة، تمردا
نريد أسودا تزأر، للحق تثأر..
لا جرذانا ترفع عن بعد أعلام الإنسانية
نريد أعلام نصر.. 
فلم تعد تبهرنا الأعلام الاستعراضية
فوالله ملت الأقلام الورق الأبيض
واشمئزت منا الحروف الأبجدية..
ثوري يا نفس، تهزهزي..
فما لك من العروبة سوى الإسم..عربية..
ويا زمنا..كان هذا النسب..
يحدث في المدى.. ضجة كونية..
لن أقول الكثير
فقد أعياني التفكير 
فقط..فلتسقط الأنظمة الديكتاتورية..
ولتحيا الثورة..
الوطن سيظل حرا..
ونحن سنبقى الأسير..

سلام عليكم، سلام للأقصى المبارك، لرائحة الجنة، وقبور الشهداء، الذين رحلوا وأولئك الذين سيرحلون، سلام لوطن يضخ بدماء الأبرياء، وجثت صبيان صارت ملائكة السماء، سلام لرائحة الزعتر، وغصن الزيتون.. طوبا لكم أيها المجاهدون، سنبقى على صدور بني صهيون جاثمين، اليوم وغذا، ولو بعد حين، كالنقش على الصخر، فأطفال الحزن سيكبرون، وعند باب المقصلة هم سيصطفون، من أبواب فلسطين سندخل يوما..ويخرجون..

لن نشحذ طويلا خبز الحرية من أفواه الكلاب، سنأتيهم زمرا بالكوفية البيضاء، نرفع علما، نمحق اسما، بالعبري مكتوب، على الأبواب، في الشوارع والساحات، في نشرات الأخبار.. نصرك يا رب، وفتح منك قريب، فقد رحل الرجال، ولم يبقى سوى قادة الاتصالات اللاسلكية والبهرجة، وخلف الستار، رسائل ترحيب..

27 ديسمبر 2010

يوميات من قرية بلجيكية

3 تعليق

أغلقت المطارات حتى إشعار آخر، فأحوال السماء لا تنذر بالخير، لا مفر إذن من الوسيلة البديلة..السيارة.. الطريق مكسوة بالثلوج، والأمطار في تهاطل مستمر، ومع هذا وذاك، سنكمل الرحلة، ستكون شاقة نوعا ما، لكن لا بأس، سنصل رغم قساوة الطقس، فأوروبا بأكملها تعاني هذه اللحظة..



المئة كيلومتر الأولى، فالثانية، الثالثة، وكذا الرابعة..هانحن قد وصلنا..في النهاية لم يكن الأمر بالصعوبة التي رسمناها.. بلجيكا ترحب بكم، ها نحن نحط الرحال بالبلد الجار، لكن علينا الان البحث عن المدينة المقصودة، أقصد lommel..ثم بعدها de vossemeren..وبعد بضع كيلومترات..وصلنا، مئة هكتار من المساحات الشاسعة التي اكتست اللباس الأبيض، هو حجم القرية التي سنمضي فيها أياما، والتي تكون عادة حلتها خضراء مع بداية الربيع وحتى أوائل الشتاء، لكن هذا العام يبدو أنه سيكون قاسيا بما فيه الكفاية لكي نلزم البيت، كتاب، ومدفئة تذكرك أن البرد قاتل ما إن تخطو عتبة الدار..


استقبلنا مضيفوا القرية السياحية بحفاوة، الإجراءات كانت بسيطة وسريعة أيضاً، سلمونا مفاتيح مكان الإقامة، المزروع وسط أشجار الصنوبر، وهانحن نغادرهم بابتسامة، هذا كله ونحن نتحدث معهم لغة الإشارات، ظننت أنهم قوم يتحدثون الفرنسية كما هو حال سكان بلجيكا الأصليين، لكن على ما يبدو أننا في منطقة La wallonie، الواقعة جنوب بلجيكا، لغتهم غريبة جدا، هي أقرب إلى الهولندية أو ما شابه، وحتى السياح المتوافدون، وبكثرة عكس ما كنت أتوقع في هذه الفترة من السنة، لا تجد بينهم عربيا أو فرنسيا أو حتى بلجيكيا إلا نادرا، كان ثمة ألمان و هولنديون بكثرة..!!..
استغربت للأمر، أردت أن أسأل عن السبب، لكنني تراجعت، فأنا لا أعرف أي لغة أتحدث إليهم وهم لا ينطقون سوى لغتهم..



ما أجمل الدفء بين أحضان غابات لا ترى منها سوى البياض، مقبلات ووجبة غذاء، ثم استراحة، وبعدها إلى الخارج، حيث الكل ينحني لجبروت الطبيعة..
دون توان، إلى حيث الأسماك الزرقاء، والصفراء، والبرتقالية، والشعاب، والنباتات البحرية، كلها اجتمعت في مكان يسلب الألباب، تجد نفسك تغوص في ماء حرارته ٢٩ درجة، والسماء فوقك عارية، درجة الجو فيها ٦-..
تمازج رائع بين الصقيع والحرارة على ضوء ليل نجومه أسماك بألوان آسرة..عشقت ذلك التزاوج بين مختلف الأصناف، وبقيت أتأمله لفترة..




عودة إلى الداخل، حيث الحرارة معتدلة، والسماء تحجبها قبة زرقاء زجاجية، الأطفال هنا وهناك، يمرحون، والكبار متسامرون، لحظات دافئة بدفء المكان، ومياه منسابة بطرق شتى، مجال رحب لمحبي السباحة، كل وجد ضالته، وكأننا لا نعاني درجات تحت الصفر ترهق مسيرة أيامنا..




أنوار مضاءة تزيد لون الثلج بريقا، عشاء مع عائلتي الصغيرة، استرخاء أمام مدفئة متقنة الصنع، كتاب بعنوان مئة وثمانون غروبا، الذي بدأت قرائته هذا المساء..ودوام في باريس سينتظرني اليوم الموالي للعودة، بعد إجازة جميلة وطويلة دامت تسعة أشهر..أقول هذا كي لا أنسى أن لكل جميل نهاية..^_^..




ليلة هادئة، نوم عميق، ثم أول أشعة الصباح الأولى، فطور على عجل، ربما لأننا جلبنا العادات الباريسية السيئة معنا، فكل ما هناك يسير بوثيرة أسرع من البرق، لذلك لا مجال للكسل..






خيبة صغيرة، لكنها كانت منتظرة، ممارسة ركوب الخيل خارج الخدمة، وملاعب الكولف والرياضات المائية والتسلق كلها مغلقة، فضلا عن البرك المائية التي نظرا لتردي أوضاع الطقس، تحولت إلى مساحات جليدية هائلة،لا يوجد أمامنا الان سوى القاعات المغطاة، بعض من التنس، والبينغ بونغ، ورمي النبال، ورياضات أخرى تمارس في الداخل..




نظرة على الحضيرة، حيث الحيوانات المسالمة، خرفان وماعز وأبقار وخيول وديَكة، لم أميزها بداية، ففروها صار خشنا جدا، ويغلب عليه اللون الأبيض، يبدو أن كل ما هنا تدخلت فيه عوامل الطبيعة، أشفقت عليها من برودة المكان، مع أنها كانت تبدو سعيدة..


الان إلىdiscovery bay، وكأن المكان مغارة ضخمة للمغامرات اللامحدودة، الأطفال المتوافدون على القرية في قمة السعادة، هنا مكانهم المفضل، علمت الان لماذا، بعد أن حشرت نفسي بينهم، يال روعة المكان فعلا، وسلمت أيادي مصممه، وكأنه مغارة حقيقية..




وككل مساء كما مساءات هذا الأسبوع، تنتهي وسط المياه الدافئة والأمواج المختلقة، الشلالات المنسابة تزيد المكان جمالية، هنا يجد من يهوى السباحة مرتعه، وكأن المكان خلق لتعزيز تلك الرغبة..
لا بأس ببعض التسوق، هواية النساء المفضلة، المحلات هنا أنيقة ومرتبة، وسط حديقة مفتعلة، أشجارها تسكنها الببغاوات، تطل منها على اللقالق والسلحفاة الخجولة التي اعتزلت الاخرين، تنعم بالمنظر الجميل، والضوء الخافت فوقها..
أسماك هنا أيضاً، تراقب حركة المارة في الغدو والرواح، تحفها نباتات خضراء من كل نوع..


إلى الان كان كل شيء على ما يرام، حتى صباح العودة، وضعنا الحقائب في السيارة، الثلوج كانت قد تهاطلت بكميات كبيرة بالأمس، ولا مجال لإخراجها من تلك الورطة، محاولات يائسة، انزلقت السيارة، تحطم الجانب الأيسر منها لاصطدامه بسيارة أحد الهولنديين الذي أقام بالقرب منا، انتظرنا شاحنة المساعدة ساعتين تحت البرد القارس، إلى أن حان دورنا، فكثيرون ذلك الصباح كانوا في الوضع ذاته، انتشلت السيارة بصعوبة، وها نحن نسير ببطء شديد، فالعاصفة الثلجية قوية هذه المرة، أمضينا أربع ساعات للخروج من المدينة فقط، والسرعة لا تتجاوز الثلاثين، كل شيء كان جامدا، وكأن السيارات نفير من السلاحف اصطفت واحدة تلو الأخرى..


وأخيرا خرجنا من الزحام، لندخل الطريق السيار، لتكون المفاجأة الكبرى، كل الإشارات داخل السيارة تشتعل باللون الأحمر، يبدو أن هناك عطب ما، لاشيء يعمل، إنها كارثة، لم تفعلها منذ أن صارت رفيقتي، اتصلنا بالتأمين، حاولوا إرسال سيارة ما، أو حتى طاكسي، لكن لا أحد يعمل، الليلة عيد الميلاد، تشل الحركة لدى الأوروبيين، بقي أمامنا القطار، توجهنا نحوه، ليخبرونا أن الرحلة القادمة ألغيت بفعل الثلوج..


نُقلت السيارة إلى أقرب كراج بين الحدود الفرنسية البلجيكية، لم يبقى لي سوى الاتصال بأقارب يقطنون في المنطقة نفسها، أعارونا سيارة، ثم واصلنا مشوار اليوم الرهيب، لنصل بعد ثلاثة عشرة ساعة من الطريق اللامنتهية، بعد أن قطعناها في الذهاب في ظرف ثلاث ساعات ونصف الساعة..


غرفتي، ما أجملها، أعشقها، وكأن كل شيء كان كابوسا مزعجا.. تركنا وراءنا القرية في عمل دؤوب، وضجة هادئة، استعدادات ضخمة للاحتفال بعيد الميلاد، فليلة الرابع والعشرين من كل ديسمبر مقدسة عندهم، وتعني لهم الكثير..
قررت أن لا أعود إلى هناك في الفصول الباردة، فقد أخذت عبرة من الطريق، لكنني مع تفتح أول زهرة ربيعية سأعود، حتما سأعود..

19 ديسمبر 2010

مما قرأت هذا العام

9 تعليق

ارتأيت في هذه التدوينة أن أشارككم جملة من الكتب التي قرأتها هذا العام، منها ما وجد استحسانا كبيرا لدي، وأخرى أقل استحسانا..


خزانتي ضمت الكثير لباولو كويلو، مما جعله كاتب السنة عندي بامتياز، فقد قرأت له رواية الجبل الخامس و كذلك رواية إحدى عشرة دقيقة، ثم رواية ساحرة بورتبيللو و الكتاب الحديث العهد، الرابح يبقى وحيدا، هذا الأخير الذي شدني إليه بشكل غريب لا يقدر على صناعة أحداثه سوى عملاق في الأدب، كما هو شأن كويلو، فضلا عن روايته الأشهر، الخيميائي التي لا ضير في تكرارها بين الفينة والأخرى لئلا ننسى تتبع الإشارات..

كان لغابرييل غارسيا ماركيز نصيب من قراءاتي أيضاً، فقد قرأت له هذا العام روايته الضخمة مئة عام من العزلة، التي لطالما تمنيت الغوص فيها، لأجدني أغرق بين تفاصيل رهيبة أدهشني فيها ترتيب الأحداث وقدرة الكاتب على الحفاظ على تسلسلها، وكأنني فعلا عشت مئة عام داخل ٥٣١ صفحة..


برهان العسل أيضاً، للكاتبة سلوى النعيمي، أرادت به تحرير الفكر العربي من القيود المفروضة على الكتابة وجعل الثقافة الجنسية محوره الرئيسي، قرأته للمقارنة بين الثقافتين الغربية والشرقية لأجد الأولى أكثر تشعبا وعمقا..


كتاب الهويات القاتلة كذلك، لأمين معلوف، والذي يشدد فيه عن كون الهوية ليست ثابتة، بل تتحول مع الوقت وتحدث في السلوك البشري تغييرات عميقة، وإن وجدت، في كل الأوقات تراتبية معينة بين العناصر المكونة لهوية كل إنسان..أعجبتني طريقة تحليل الكاتب لموضوع الهوية، مع تحفظي على بعض الأفكار التي أختلف معها، لكن هذا لا ينفي أنه أضاف لجعبتي الكثير..


الدكتور عائض القرني وكتابه الشهير لا تحزن، لم أنهي صفحاته عمدا،حتى أعود إليه كلما أحسست بضيق أو حزن مباغث، إنه فعلا نعمة من الله إلينا جميعا..


كتاب نسيان، لأحلام مستغانمي، التي تعرفت عليها من خلال ثلاثية ذاكرة الجسد الشهيرة، هو كتاب ستجد فيها النساء اللواتي يعانين قهر الحب وتجبره ملاذا آمنا، ولو مؤقتا، يحميهن ضربات الحب القاضية، هو جميل لمن تريد امتهان النسيان..


هذا ولا أنسى كتاب الله، بطبيعة الحال، القرآن الكريم، الذي هو جزء مني ، أحاول المواضبة على قرائته قدر الإمكان..


هناك كتب لم تحضرني الآن بالتأكيد، لكن هذه كانت أبرز ما قرأت هذا العام، وساهمت بشكل أو بآخر في تنمية بعض المعارف لدي، ودافعا للقراءة أكثر، والتهام المزيد..

16 ديسمبر 2010

لحظة من عمر الضوء

10 تعليق

كان يدخن بهدوء، متأملا الشارع دون وجهة محددة، قبل أن يطفئ سيجارته في المنفضة، ويرفع بصره في حركة عشوائية، ليرتشف لحظتها مع فنجان القهوة الذي جاور علبة السجائر، والجريدة، جزءا كبيرا مني، وأحلاما ظلت عالقة لفترة بين خطوط النسيان، وصحوة الشوق..


كأنه اللقاء الأجمل الذي افتعله القدر لشخصين خنقا عمر اللهفة ليال طوال، لهفة أحيت زمنا ما، قصة ما، أحداثا رفضت فيها تقديم أية شروح لذاتي..تذكرت كل شيء في لحظة شرود..


كنا بعمق نعانق اللحظة الهاربة، في ضيافة يوم من أيام باريس الرمادية، تحت أنوار خافتة تنازلت عنها مدينة الحب، وكأنها تشيد المصادفة في هدوء..


لم تضم مذكرة حياتي موعدا مسبقا معك، ولم أكن أتوقع تلك النظرات المدججة بالحرائق، هنا، في مدينتنا التي تستضيف العاشقين، وتنقم حراستهم.. لفرط الذهول الذي خلفه التصاق الأحداق وقتها، ولتأثير المفاجأة التي جاءت بحجم الصاعقة، وجدتني أهرول لاهثة في درب اللقاء، أواجهك عزلاء، دون أدنى حماية، لتزدحم كل الأفكار المؤدية إلى مخرج النجاة منك، تحجبها تينك الصورتين اللتين احتفظت لك بهما وسط كتابك المفضل بين أروقة حقيبتي..
كنت ساعتها أطلب مطرا، لأطفئ نارا أشعلت جذوة نفسي، وأعاصير لا تأبه لجماليتها، بحجم الدمار. في ذلك الوقت بالذات، كنت أستجدي منك رفقا، وأستدرجك لاعترافات ذكورية بضرورة الاستكانة، احتفاء بذلك الفرح النادر..


كم دام عمر اللحظات، حين تعثرت بك، وخارت قواي للبحث عن كلمات تشبه الكلمات، ونحن تائهين، وسط دوار قلبي، رسمته أنفاسنا، أمام طاولة المقهى، والشارع الذي ظل يحتفظ بصورنا معا.
لم تقل شيئا، ولم أضف لصمتك شيئا، وحدها المصادفة كانت تهذي، محمومة بحرارة اللقاء، وبراءة النوايا..
مرت لحظات، وربما ساعات، لست أدري، قيل كل شيء دون اختزال، بلغة لا تشبه تلك التي ندركها جميعا.. اقشعرت السماء، لتنهال سيول من مطر، استبقتنا واقفين، تحت البرد، نتدفئ، تحت رحمة العاطفة..

13 ديسمبر 2010

ذبذبات حنين إلى روما

19 تعليق

رعشات ما في قلبي هذا الصباح تدفعني للكتابة عن تلك المدينة الساحرة، وعن ذات تشرين عندما قصدتها رفقة صديقتي اللطيفة، أتذكر كيف نشأت الفكرة بغتة لنجد أنفسنا وسط ساحات روما الشهيرة..




ربما تكون هذه المدينة واحدة من أقرب تلك العواصم التي زرتها إلى قلبي، كان كل ما فيها جميلا، تعرفنا عليها في ظرف وجيز، بل تصادقنا معها كذلك..
الوقت ظهر، والبرد أقل حدة من ذلك الذي تركناه في باريس، الحافلة جاهزة..إلى الفندق إذن..
وهاهو مضيف الاستقبال في انتظارنا..

هيا لطيفة، أنت درست بعضا من الإيطالية، أنا لا أفقه فيها شيئا..أقول لها .


وترد صديقتي، تتخللها ضحكة مزمجرة، كان ذلك منذ مدة، ما عدت أتذكر جيدا..
ننفجر ضحكا مرة أخرى، أنقذ  المضيف  الموقف، بابتسامة ترحيب، عارضا خدماته بالفرنسية، والإسبانية والإنجليزية..
وأخيرا في الغرفة..الوقت لازال مبكرا، هي فرصة للاسترخاء ...
تجددت الطاقة بعد حمام منعش، قمنا بعدها بجولة للتعرف على المنطقة المحيطة بنا، وتذوق أول وجبة إيطالية في شوارع روما..سباكيتي وبيتزا..ممم..كم كانتا لذيذتين..




أول خيوط الشمس تتسرب من النافدة، استيقظنا على كسل، كابوتشينو صباحي، مع أننا لسنا من عشاق القهوة، ووجهتنا الأولى ستكون الكولوسيوم-colosseo، المعلمة الإيطالية الشهيرة بساحاتها الضخمة التي كانت تستخدم في قتال المصارعين - الجلادياتور،حيث كانت تقام المسابقات الجماهيرية، داخل المدرج الروماني الضخم  الذي يسع حوالي   50000 مشاهد..وظل مستخدما لما يقرب 500 عام..
كانت الجولة ممتعة أخذت منا وقتا قبل أن نتوجه بعدها إلى مدينة الفاتيكان، حيث كاتدرائية القديس بطرس، التي تعتبر مركز القيادة الروحية للكنيسة الكاثوليكية، وهي من أقدس الأماكن المسيحية..





كان أطول طابور انتظار لم أشهد مثيله قبل ذلك، ومع هذا حب الاستطلاع جعلنا ننتظر بضع ساعات كي نصل قلبه، تحت حراسة أمنية مشددة، المكان كان مبهرا بعظمته وتصاميمه الدقيقة، مساحات هائلة يحتضنها المكان، تزيده هيبة، ولنا فيه عندما نتذكر ضحكة مجلجلة، تنبثق كلما تذكرنا دخولنا قلب الكنيسة بالخطأ، لنجد المصلين في تخشع وتعبد، أغلقت علينا الأبواب هناك حتى إتمام الصلاة، كان المصلون يرددون عبارات لم نفهمها، التفتنا الى بعضنا البعض، كادت الضحكة تفضحنا، طلبوا منا الهدوء، انصعنا، ثم رددنا أنا وصديقتي خلالها آيات قرآنية، مع احترامنا لكل الأديان السماوية..



لم تكن هذه الواقعة الوحيدة ذلك اليوم، فقد حدثت أشياء أخرى طريفة ونحن في طريقنا للفندق مساءا، جعلتنا نضحك طوال الليل..ربما لن تخرج للملأ، سنحتفظ بها لنفسينا..نتذكر بها نكهة تلك الرحلة الغير عادية..
فونتانا دي تريفي-fontana di trevi، كما يسميها الإيطاليون، أكبر نافورة باروكية، انتهى بناؤها عام 1762، يقولون عنها نافورة الحظ، تلقي مُولٍّ ظهرك للبركة قطعا نقدية، وتطلب شيئا في سرك، قد يتحقق، ثم بذلك تكون قد تقيدت بحب المدينة، وستعود إليها يوما ما..




هكذا تقول الأسطورة الرومانية، أو ما يعتقده الإيطاليون، الذين عكس ما كنا نعتقد، بحكم عملنا المستمر معهم بالمطار، شعب منغلق، صعب المراس ومتقلب المزاج، لنتفاجأ بأشخاص لم نرى أطيب ولا ألطف منهم ومن تعاملاتهم اللبقة..
بعدها صعدنا أدراجا عالية، لإلقاء نظرة على مقر الرئيس الذي كان يعج بالسياح الأجانب وساكنة البلد على السواء بحكم قربه من بركة الأمنيات..




أسرار روما لا تنتهي، طرقها وشوارعها ومكتباتها ومتاحفها، محلاتها، وكذا ساكنتها، كل ما هناك يغريك برغبة في اكتشافها أكثر وأكثر، وأظنه مفعول بركة الأمنيات ^_^ ..
توالت الأيام القليلة بسرعة، انقضت الإجازة، وكم وددنا لو تطول وتطول..في اتجاه المطار مرة أخرى، لكن هذه المرة ليس للاستجمام، فعمل مكثف في باريس ينتظرنا..



كانت رحلة لا تنسى، مدينة جميلة، وصحبة جميلة..وتفاصيل لازلت أحتفظ بها.. كم هو رائع أن يكون لكم أصدقاء رائعون مثل لطيفة اللطيفة ^ـــ^ ... إلى رحلة قادمة ..





12 ديسمبر 2010

عندما تكون الكلمة لحلبة العرض

14 تعليق

سيداتي، آنساتي، سادتي..أرجو الانتباه من فضلكم، أعرق سرك في العالم يفتح أبوابه مجددا، تابعونا باهتمام، ونضمن لكم فرجة مدهشة..هكذا قال منظم السرك..


هاهو العرض يبدأ، ومعه الابتسامة ترتسم، ممزوجة بالدهشة وأنا أراقب بدقة حركة الفنانين الرحالة، ياله من عالم مثير، موسيقيون محترفون، أتقنوا إيقاعاتهم على مدى السهرة، منشطون حاضرون بكثافة لضمان عرض فريد، ساد الهدوء، قبل أن تعزف الموسيقى الصاخبة، هاهي الحيوانات المدربة تعرف طريقها إلى الحلبة، مروضة بشكل يسلب العقل، تقدم استعراضها رفقة مروضيها في غاية الإتقان، والجدية..كم لزمها من الوقت يا ترى لتستوعب كل هذا؟!..




الخيول والكلاب والجمال والفيلة..هذه الأخيرة، آه منها..كيف داعبت مروضتها ورقصتا معا على ألحان عذبة..
غادرت الحيوانات، لتترك مكانا لصاحب الأرجوحة العجيب، إنه عجيب فعلا، يتدحرج فوق حبله الرفيع بثقة كاملة ليجعل قلبي في خفقان دائم خوفا من كارثة مفاجئة، لقد برع فعلا في عرضه ليترك مكانا لأصحاب الدراجات النارية وسط تصفيقات حارة من الجمهور..وهاهم الأربعة، يدخلون الدائرة المغلقة الضيقة، ويقودون دراجاتهم بسرعة فائقة بشكل دائري دون أن يصطدم أحدهم بالآخر، إنه فعلا أمر مدهش..
في انتظار النطاطين، ها هن الراقصات بأزيائهن المغرية وقوامهن الرفيع يشددن انتباه الحضور، أقصد، العنصر الذكوري من الحضور..كان أشد انتباها..







ها هما يتمسكان بحبل مشدود، بلباسهما الأبيض الملائكي، ترافقها فرقة من العارضين، في حركات رشيقة ومعبرة استطاعا جلب الأنظار إليهما، كانا ثنائيا رائعا عبر برقصات في الهواء عن معاني راقية للحب..
وكانت مفاجأة العرض الكبرى، إنها المرأة الأمريكية الوحيدة التي تقوم بهذه المهمة المجنونة، تدخل وسط (مدفع ) ليلقى بها بقوة عنيفة في الجهة المقابلة للقاعة، هناك سرير مطاطي ضخم ينتظرها، لكن هذا لا ينفي خطورة المحاولة، لتنهض بعد ذلك مقدمة التحية للحاضرين الذين لم ينبسوا ببنت شفة، وأنا منهم، لم أجد لما قامت به تلك الأمريكية تفسيرا من هول المنظر.
هذا دون أن أنسى قهقهات الأطفال المتعالية، لما منحهم البهلوانيون من لحظات سعادة وجدنا أنفسنا نحن الكبار أيضاً نضحك لضحكهم..
كانت ليلة استعراضية عصرية بامتياز، أبرزت مهارات عالية وفن راق له أساليبه في الإبهار...عودة إلى البيت، متناسية زحمة السير، والبرد القارس، لأحتفظ فقط بصور جميلة عن ذلك العرض المثير .
.




Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More