سئلت من طرف بعض القائمين على برنامج العربية لغة بلا حدود وهو برنامج يعده مجموعة من الصحفيين على القناة السويدية، عن علاقتي باللغة العربية والتدوين وكذا النشر باللغة العربية..
وأرد بقولي أن تمسكي باللغة الأم ليس وليد اللحظة، بل نمى وترعرع كما الجنين بين جنبات أمه، احتضنت منذ الصغر كتبا تناسب سني الصغير وأخرى تفوقه بكثير، آثرت دوما المسلسلات التاريخية لتحدثها بالعربية الفصحى، وأول من جدر فيَّ هذا الحب وعزز رغبة الإبحار في خضم هذه اللغة السامية، كتب مصطفى لطفي المنفلوطي، كنت في سن مبكرة عندما قرأت له النظرات بأجزائها الثلاث، العبرات، الفضيلة، الشاعر، في سبيل التاج، وماجدولين أو تحت ظلال الزيزفون..هنالك أحسست بميول لعالم تسمو فيه اللغة العربية وتتربع على عرش اللغات..
لم أهمل بجانبها بعض اللغات الأجنبية كما الفرنسية والإسبانية، لكن للعربية طعم حلو المذاق، لا أجد ذاتي إلا وأنا أكتب بلغتي، وكيف لا وهي مفتاح الثقافة العربية الإسلامية ومالها من ارتباط وثيق بالدين الإسلامي والقران الكريم، إنها واجهة تفتح المجال للتعرف على الإرث الحضاري الضخم لأمتنا، كما أجدها لغة كاملة متكاملة تغنينا عن البحث في لغات أخرى، وهذا ما يدفعني لأعتد بلغة تعد من أقدم اللغات الحية الحاضرة، كما أنها إحدى اللغات الرسمية الست في منظمة الأمم المتحدة والمنتمية للغات السامية المتفرعة من مجموعة اللغات الإفريقية الآسيوية..
وقد تدخلت كل هذه العوامل في رغبتي يوم قررت خوض عالم التدوين، هناك تكونت علاقتي مع ذلك العالم المثير الذي يوفر لك مساحة ضخمة من الحرية والتعبير، فلا وصاية فكرية هنا، ضميرك هو الرقيب الأوحد، كما أن التدوين يزرع فيك القدرة على تقبل الرأي المؤيد والنقيض في آن واحد، فتصنع بشفافية ومصداقية شخصيتك المستقلة التي ترضاها لنفسك في العالم الافتراضي، بعيدا عن الرقابة الصحفية والإعلام الموجه، فالتدوين تلخصه كلمتين..التأثير والتغيير.. وما أجمل أن نساهم فيهما ولو بجزء ضئيل.
وقد اخترت اللغة العربية كأساس لمدونتي، لأن مستقبلها رهين بي وبك وبنا جميعا...كما هو متعارف اللغة تحيا بتركيبتها لا بأهلها، لكن إن نحن تابعنا مسيرتنا نحو التقدم بجوانبه الحضارية والثقافية والاجتماعية والسياسية، تطورت لغتنا وتقدمت، وإن تخلفنا ولم نتبع سوى خطى الغرب لغتنا ستتقهقر وتتراجع وتتفكك، كما يتوقف مستقبلها أيضاً على مقدرتنا في نشر الوجه الحقيقي المشرف للإسلام..فالتدوين باللغة العربية يجعل منا واجهة تطل عليها باقي الثقافات، ونافذتنا التي نطل منها نحن على العالم.
وما بقيت اللغة الفصحى على ما كانت عليه إلا بفضل تدوينها وتثبيتها من قبل علماء اللغة منذ القرن الثاني للهجرة، هي ليست ثابتة كما هو حال جميع اللغات، فقد تتطور وتتغير تحت تأثير الزمن، ومتطلبات العصر..ومع ذلك فلنساهم ولو قليلا في دعمها لتعمر وتستمر شعلة تنير درب العروبة.