مساءات بلا إيقاع، حيث أنت والظلام وحيدين، عطش الجرار للنبع، حلم واسع ونداءات غامضة، أنين ملء السمع، كتب رتيبة لا تفي بالهروب من واقع يحترق، حبر يسيل على الأوراق اليابسة، مفكرة ممتلئة بالمجاز تُصفّف فيها الحروف، تُركّبُ لها أجنحة وتتمنى أن تطير، مناخ ملائم لاستحضار ذاكرة وفية كالسنبلة، خالية من الاستعارة، يقظة لا تنام..
ماذا يكون الإنسان دون حزن؟ هل يذوب الظلام في هذا الليل الوحشي؟ هل تغادر الحمى الثقيلة الوطأة؟
وحده كان وردة تنبت في القلب.. ولا تذبل..
ككل هذا وكغيره تكون، حين يضيق بك الطريق وتتكسر عربات الليل، حين يدركك المساء فتخاف النوم، تلتف حول نفسك كي لا تضيع كالدخان في الهواء، تبحث في الظلام عن عيون تحبها وترهقك، تغتالك الأسئلة فتركض كالمغمى عليه خائفا من علامات الاستفهام، كثيرة هي، وعقلك ما عاد فيه متسع للتأويل، تنظر إلى الكون الفسيح، كم ضيقة هي الأماني!..ينطفئ ضوء آخر موعد وتشتعل المسافات، ترتشف القبلة من ماء التوت العالق على الشفتين، تبحث عن مكان ملائم لمخاض داخلي تتحرر فيه من الأغلال المغروسة في جلدك، يتخذ الصمت شكل الوطن، حلم عالق وأشياء كثيرة لا تقال، أعيادك محنطة نسفتها الرتابة وربابة تعزف لحن كناري حزين..
يأتي.. فيورق بداخلك الشجر..
هل كان فعلا هنا؟
تموت أوراقك على عشب الحديقة المهترئ، فصّدته ليالي كانون الباردة، يلازمك شيء مبهم كهوية حزن صارت لصيقة بسجين انهارت أعمدته، يداه في الأغلال يحلم بوتر يعزف أغانيه البعيدة، يسترجع صدى الغياب، زيتون أرضه وصورة الطفلان العاشقان عند أول الزقاق، لم يلتقي الأمس باليوم، كبر الطفلان ومات الحلم، لم يقل شيئا عن الحب الذي يزداد موتا كل يوم، غرس خيامه في الزمن العنيد، استرجع الأغاني القديمة، واستسلم للمعان السلاسل..
نسوه في الزحام، وحين احترقت الذكرى، خلفوه رمادا وذهبوا للاحتفال..