على وقع خطى الأيام الرتيبة، أخرج عن حظيرة اليقين في جوف الليل، تباغتني زحمة الأفكار ولا أمسي أفكر في شيء، أستفيق من إطراقتي الطويلة لئلا أموت صمتا، أرمي بصري بعيدا وأغرس عيني المسبلتين في الأفق اللامحدود، أسبح في الفضاء كذرة ضائعة.. كما أشتهي أن أفعل حين لا أجد إجابة..
أهوال يأتي بها المساء لا قِبل لي بها، ولا حيلة معها، عاتية كالبحر لا تمنحك مهلة للتفكير، يتقلب القلب، تختفي الملائكة الرحيمة، يجثم فوق صدري وجع يتدفق إلي في غفلة مني، أُحملني هذا الهواء الثقيل، وأحاول في غفلة من الحياة أن أجتاز منطقة الألم بنجاح..
أقبض على واقعي، أنتشل فكري العالق بين الصحو والحلم، أحاول ترتيبه درجا درجا قبل أن يحول بيني وبينه الموج، وأبتعد عن هزائمي الصغيرة والكبيرة ما استطعت إلى ذلك سبيلا..
أسير غائبة عني، أنفث غبار الأسئلة، يصمت داخلي إلا من بعض الهمهمات، أرشو القدر ليزيح بعض الثقل عن ذاكرتي، ويوقف زحف الزمن.. فأنا لا أريده أن يكبر أكثر وأكثر..
فجائع ذائعة الصيت تحوم حول خاطري، متلهفة إلى موعد مع الحياة، لا يأتي.. خجولا كأشعة شباط حين تفض عذرية الستائر في استحياء.. إنها إحدى صفات الليل، حين يوشح الباطن بالسواد.. قد يحدث ويكون له فعل كالسحر، يجلب الحياة إلى ضفتيه ويدعك تمارس لهفة الحنين في أمسية رائقة، ويحدث أيضاً أن يكون باردا وجافا، يتقمص دور الصعاليك.. يأخذ منك كل شيء، ويترك لك وسنات خاطفة يرش بها أهدابك على وسادة المساء..
لماذا تتركني أيها الليل لعصف الظنون ولا تأخذني غمرة النوم، طويلا كان أم قصيرا.. لماذا هذا الخلاف الثائر بيني وبينك.. لماذا تلهث ورائي منتشيا وكأنك ظفرت بغنيمة.. لماذا لا تغسل بالماء وجعي.. لماذا تجهز علي بميراثي الثقيل من الخيبات؟!..
هلا فككت ضيقي؟.. قل لي: لماذا خطاياك كثيرة ؟