طائرة تنزل، وأخرى تمضي، الصمت الساكن، عزف البيانو الذي يلذ له مسمعي، وحدتي التي أهرب إليها بين الفينة والأخرى، السماء الغاضبة المزمجرة، بقايا ذاتي التي لازلت أبحث عنها، كل الأشياء التي خلفتها ورائي..المدينة الباردة التي غادرتها، كلها تلاحقني هنا، بينما اللحظة تحضنني مدينة أخرى يسكنها الصقيع، لا تعترف بدفء القلوب، ولا بدفء الأماكن..مدينة ساعتها لا تحمل عقارب الحب..،وحدها لفحات طيفه تزداد حرارة، وتهيج حواسي لعناق ذكرى لن تعود.. أقترب..والوحدة تزداد قسوة، والصقيع أكثر صرامة..
يطفو صمته الهارب، كي يعرقل مدخل الوصول إليه، كهذه المدينة، لا ترمق منه غير انفعالات شديدة البرودة، وحواس باذخة الجمود.. وحدهما عيناه لازالتا تتحدثان دون انقطاع، وتلونان صدى أنفاسه بكل حميمية.
يطفو صمته الهارب، كي يعرقل مدخل الوصول إليه، كهذه المدينة، لا ترمق منه غير انفعالات شديدة البرودة، وحواس باذخة الجمود.. وحدهما عيناه لازالتا تتحدثان دون انقطاع، وتلونان صدى أنفاسه بكل حميمية.
ماذا جئت أفعل يا ترى في هذه المدينة الرمادية، المثقلة بالغمام، المشبعة بالعبرات..؟؟
أأنا هنا لإحياء جزء من ذاكرة سكنها هوس الشوق، أم جئت لأعيد تجربة جليدية وأختبر مدى قابليتي للذوبان؟.. وربما هو قلمي الذي يتخذ منحى آخر مغاير عن ذلك الذي سُطر له، فأجدني أحول مساره دون نية مسبقة..
هاأنذا في مدينة لا تعرفني، تلاحقني أحلامي المدمرة ..أمارس على نفسي أبشع أنواع الخيانة، علني أخرج بأضرار أقل، قبل أن أستسلم طائعة لرغبات الروح، فقد أدركت أن الروحين تآلفتا، والفصل بينهما سيأتي بحجم الصاعقة..وكأن عذابهما هو المعادلة الصحيحة التي يكتمل بها الحب..
إن كان الأمر هكذا، وعنكبوت هذا الشعور تدلت خيوطه، فالنتيجة في نهاية الأمر واحدة، ستترك وخزا في القلب لا محالة.. هي هستيريا الإحساس إذن، أسايرها، وإن كابدت فيها مساحة حرائق هائلة، وأتت نيرانها على كل خصب اكتنفه داخلي..
هل هو فعلا شعور مقدس كما يقال؟..
أفقد خيط اليقين، من بين الخيوط التي تعرض جهرا في ساحة العمر بهدف التضليل، أي زقاق أسلك، دون أن أقع ، وأي واحد أضمن، لتفادي الهوة العميقة؟..فإن حدث وتعثرت، قد تُحرَق على مرأى مني أوراق العودة، وأنا وجلَدي في التحمل أنذاك.. حكايتي نقط في نهاية كل جملة، لا تملك وثيقة وجود، لاشيء يثبت ماهيتها، ولا حاسة تدرك مكنونها..تستمر، لأنها محكومة بذلك..لا لشيء آخر...
غادرت تلك المدينة اللامبالية، تاركة خدوشا على جدارها، لم نسكنها معا، ولم تسكنا معا، هي لم تكن لي ولا لك، كانت لآخرين..يشبهوننا..