لا شك أن أبرز ثورة يعيشها العصر الحالي هي ثورة الاتصالات التي ما تنفك تنمو بشكل متسارع بفضل التقنيات الحديثة والمتطورة..
كما يعي الكل، شبكة الأنترنيت إحدى أهم وسائل التواصل التي أضحت تسيطر على العالم بما تقدمه من خبر مباشر يواكب اللحظة ويسمح بمعايشة الحدث حال وقوعه دون تدخل إيديولوجيات معينة تتحكم في صناعته كما هو الحال في الإعلام التقليدي، ولعل المواقع الاجتماعية والمدونات وباقي المواقع الإلكترونية من أهم ما يستقطب المستخدمين لكم الحرية الهائلة التي ينتج من خلالها الأفراد محتواهم الخاص بهم.
فما مدى قوة الإعلام الجديد؟ وما تأثيره على الإعلام التقليدي؟ وكيف يمكننا أن نستفيد من إيجابياته ونساهم في تطويره؟.
ما حققته ثورات الربيع العربي في الآونة الأخيرة مثال حي يبرز أهمية الإعلام الجديد وقوته وهيمنته في الوقت الراهن، مع إيماني أن ثورة الشعوب تحققها الإرادة الحرة قبل تدخل أي عامل آخر، لكن لا أحد ينكر الدور الهام الذي لعبه هذا الإعلام في إبراز الوجه الحقيقي لثورة الشباب العربي من تسهيل لعمليات التجمع والتوحد في الكلمة والغاية وزيادة رصيد الإصرار والعزم، هذه الصورة الواضحة لثورة الشباب التي حاولت بعض الفضائيات المغرضة والصحف العميلة تشويه سمعتها كاتهامها بالعمالة للخارج والتخريب والتحريض، لكن الانتشار السريع للمعلومة صوتا وصورة من موقع الحدث دحض كل الادعاءات الواهية التي روج لها الإعلام الرسمي، وبين مرة أخرى مكمن الخلل وأبان عن التناقضات التي تعتري الإعلام التقليدي وانقسامه بين مؤيد ومعارض حسب توجه القناة والقائمين عليها.
تبين لنا من خلال نموذج ثورات الربيع العربي أننا في زمن تأثير قوة الإعلام ووسائل الاتصال برمتها، وأنها العامل الرئيسي في تحديد مسار الشعوب واتجاهاتها، كما أنها الطريق نحو تكبيلها أو انعتاقها..
إذا ما انتقلنا الان إلى الحديث عن الإعلام الجديد وعلاقته بالإعلام التقليدي ومدى تأثيره على هذا الأخير، فسنذكر بالضرورة صنفين من الآراء، الأول الذي يرى في الإعلام الجديد نقلة نوعية في عالم الاتصالات، جاءت بحلول ضخمة تسمح للجميع دون استثناء بالمشاركة وطرح القضايا ومناقشتها وتحليلها بكل حرية دون تدخل قوى خارجية تحد من صلاحياته كمواطن له الحق في التعبير بكل شفافية عن همومه وآماله وآلامه..
أما النوع الثاني فهو ذاك الرافض بشدة لمصداقية الإعلام الجديد وتشكيكه في شرعيته وانتقاص قيمته بحجة غياب المهنية وانعدام الضوابط التي تحكمه وبعده عن الإعلام الرسمي الذي تنهج فيه سياسات محددة، وغالبا ما تكون دوافع هذه الفئة المعارضة شخصية بالدرجة الأولى، وذلك خوفا على تقليص صلاحياتها وانتقاص مهامها والحد من سلطتها المطلقة..
ما يعنيني هنا لا علاقة له بالفئتين، بل بأخرى ثالثة تؤمن أن التغيير حق لكل الشعوب ولأجله يجب أن تُجنَّد كل الوسائل وتختصر كل الطرق للوصول إلى أفضل النتائج، فالعلاقة بينهما تكامل وتلاحم أكثر منها استنفار وتضاد، لا غنى للواحدة عن الأخرى، فلا الفضائيات ألغت دور الراديو ولا هو ألغى دور الجريدة وهكذا، كل جديد متمم للعمل الأول وميسر له، وهذا ما نقف عليه حين نرى وسائل الاتصال يستعين الواحد منها بالآخر، كما حدث ويحدث في الثورات الحالية، حيث يشتركون في نقل المعلومة باعتمادهم على مصادر مشتركة، وفي النهاية المواطن هو المستفيد الأول من هذا الارتباط .
ولى زمن حروب الأسلحة، وفتح المجال أمام الإعلام الجديد ليشن حربه ويقول كلمته، ولن أبالغ إذ قلت أنه أصبح سلطة أولى وأداة لتغيير المجتمعات، فوائده جمة، يكفي أنه أسقط حاجز الخوف بين الشعوب تجاه الأنظمة وصارت الرقابة خارج السيطرة، وفي هذا رد اعتبار للمواطن ولحقوقه كإنسان، كما صار منبرا للدفاع عن قضايا الأمة الكبرى ونشر المطالب ورفع التظلمات، ومساهما فعليا في التثقيف ونشر العلم والمعرفة..
لكل جديد محاسنه ومساوئه، دعونا نركز هنا على الجانب الإيجابي للإعلام الجديد وما قد يحمله لنا من ثمار يانعة إن نحن أحسنا زرعها، وهذا لن يتحقق إلا باحترام حرية الآخر والتزام النزاهة والدقة والموضوعية في نقل المعلومة، والتحقق منها قبل عرضها على الملأ، لتفادي الإشاعات الضارة وما قد ينجم عنها من أضرار بالغة.
عالم الاتصالات الجديد، وفر علينا جهدا جهيدا وقرب إلينا ما كان بعيدا مسافة سنوات ضوئية، فلنحسن استغلاله ولنستثمر جهودنا للنهوض به والارتقاء بالمحتوى العربي ليرسم لشعوبنا صورة حضارية نتباهى بها بين الأمم .
فإلى متى ستغض الدول العربية الطرف عن سلطة العصر المتمكنة هذه، وتستثمر جهودها فيما من شأنه أن يرقى بالأمة، بدل الحد من قوة انتشار الأنترنيت وإعاقة الوصول إليه تحت مسمى الحفاظ على الدين والأمن العام ومكافحة الإرهاب؟..