13 نوفمبر 2012

مالقة.. تاريخ ينام فوق التلال

12 تعليق


في ساحل الشمس، وعلى منحدر شديد الميل، تسري رعشة في جسد الليل، يقصر كل شيء وتطول الحكاية، أموت صمتا في لحظة منكسة الرأس، وينفتح جرح آخر، أغمض عيني لكي لا أرى شيئا، وأصدق أنني فاصلة في سطر عابر.. 

أسحب باستماتة رغبتي المحمومة في استحضار التفاصيل التي اقتادتني حتى هنا.. إلى هذا الحلم الذي أحبه.. ويوجعني ..

لست أدري ما الذي سحبني نحو المحيط، حيث الشمس رائقة في عز الخريف، دفنت قرصها في منتصف بحر عاتٍ معاند، والنسمات محملة برياحه الخفيفة، تحاول في طريقها أن تكنس أحزاني الضامرة..
هل ستمسح وجعي وتنقل إلي صوت البحارة وهم يحملون الفخار المالقي المذهب والزجاج الملون إلى أقاصي البلاد؟.. يالهذا البحر، لا تقبل أعاليه بأنصاف الحلول، ولغته  لا يفهمها إلا الحالمون..

في لحظة شرود مسروقة من زمن مضى، كنت  أتنقل بين القيساريات والأسواق والقلاع والقصاب والقناطر، أتوه بين الحارات والساحات العامة، أمر بمسجد العطارين وأبحث عن البلاطات الخمس في مسجد الأمير بن عبد الرحمن، بدت لي حصون القصبة وترهلت أمام ناظري أبراجها، ظل قصر باديس يروي حكاية لم تنتهي، ترمم حزنه أشجار النارنج البديعة والنخيل السامقات ونوافير الماء وبساتين التين.. وظلت بقايا دار الصناعة منذ بني الأحمر تحيي عهدا انقضى وواقعا لم يمت..

وقفت قبالة سور المدينة أعد ما تبقى من أبوابه الخمسة، أقيس بالعين أعمار الدروب ورجالا ونساء توقفوا هنا، أرقب المارة الغادين والرائحين والنوافذ والأبواب والأرصفة، ويحمر وجهي حين يتسرب إلي الحنين ورغبة جارفة 
في توقيف عقارب الزمن، لأرى الصبية يملؤون الحارات ورائحة الشاي تنضح في الأقداح بدل البيرة الرديئة..
أما ما بين "القصبة" و "رملة" فيمتد وجع كبير، ونبع كانت تجود به المرتفعات المجاورة منذ ألف عام.. جف النبع، وبقي الجرح غائرا..

مشيت، لم أكن أعرف أين أتجه، ولا ما ذاك الشيء الملتبس الذي بداخلي، يشبه طعم الحب ولون الرماد، كنت أنصت لنداءاتي الداخلية، لعنف التاريخ وسيول الأسئلة المثقلة بالغبار..

كيف أنسى وكيف أتذكر، توهج الليل وهجرة الألوان وأكذوبة الذكرى والوجوه المحتشدة بالفراغ، دموع الغيم ونبات الأرض، حقول السنابل وجذوع الشجر،  وذاك المساء البعيد، قبل أن يخطفه البرق ويمضي في خطى مغتربة.. أنفض الغبار عن قلبي وأفتحه على الحياة دون أن أبكي، دون أن أنشد أغنية الوداع ..

05 أكتوبر 2012

خريف..

17 تعليق


لم يكن حبنا كافيا ليبعد ليل الشتاء الطويل، ولم أكن امرأة ولدت من ضلعك لتلبسها ثوب العروس وتأخذها برفق إلى منتهى الحالمين.. ماذا كنا نصنع بغدنا غير تكسير الوقت قبل أن تفكر النجمات في اغتيالنا..
هل تضيق الأرض ويتسع صدري في هذا الزحام لقيلولة ننام فيها معا بلا ألم وسط خيال أوضح من واقع في بلد الغرباء..؟

هنالك صمت فسيح، وزرقة في الأفق وطقوس حب على بعد فرسخين منا، مساء يصاب بسوء وأعمدة تتكسر على عتبات الجسور، حمائم هنا وهناك لا سعيدة ولا حزينة، وقهوة تصهل عند باب الشفتين، قصاصات مقتبسة من أساطير الهوى يلقي بها غيم بعيد، كانت تسمى حبا فيما مضى، وصرت حين أفتحها أخاف النوم..

انتظرنا، ولم نعرف أننا ذاهبان في فحم الليل إلى مكان يكنى العاطفة، ترشدنا في طريق التيه ثقوب لا تحمل علامة، مبطنة بأريج الورد ورذاذ الليمون واشتقاقات الألوان، تقودنا ولا تكترث، مثلي ومثلك، بترتيب فوضى الحواس السائرة في اتجاهات معاكسة..

خريف باريس ههنا، عائد ليمارس غوايته على أوراق البلاتان الكبيرة، ويعري بسخاء الأشجار التي تنزع لباسها أمام قطرات تهتز لها صلابة الأرض، وما بين هذه الإيقاعات السرية، وزهر اللوز الذي ينبت بين النهدين، كان الضوء يتسلل إلى مدينة الفتنة كرائحة العطور الباريسية الفاضحة في أمسيات الحب، وكنت أنت، تسرع الخطى مخافة أن يصيبك مرض الحنين، تبتعد، أبعد من حلمي، لا تقوى على الرجوع لشيء، ثم تجلس كأمير جميل سيعتلي العرش، ولا يعرف كيف يبدأ ولا إلى أين ينتهي ...

18 سبتمبر 2012

تنهيدات عابرة..

13 تعليق


لا عليكَ.. تنهد قليلا
حين تتقاطع بيننا الابتسامات
تنفس معي شوارع المدينة الجميلة
وفك صمتك الوثيق
دع عنك العالم المليء بالأحزان
سأكون هناك لحظة الكتابة
أصغي لدندنة القصيدة
وأتركك تمضي إلى حيث يشاء انتشاؤك
سأحضر لك القهوة
وأضع قبلة على جبينك
وأتسحب على أطراف أصابعي
أسير إلى حيث يدعوني هواي
وأدعك تعيد الحياة إلى نظامها
نكاية بالشوق..


                                             ****************************


دونما ضجة استلقيت على حافة النهر، 
أشحذ بعض التفاصيل من المارة، أمسك بأصابعي كل الأشياء الجميلة قبل أن تنسحب..لم أتساءل كيف أعالج هذا الخوف ولا كيف أداري هذا الجنون، وكيف لكل هذه الحرائق والعواصف أن تنتشر بهذا الكم من الفداحة..
                                            
أشيح بوجهي صوب الغيمات الهاربة، إلى حيث تشتهي الذاكرة.. كم هي مضنية ابتسامتك البعيدة وأنت تهرب بعينيك نحو البياض، توقظ حواسي النائمة دفعة واحدة وسط حلم من الألوان..
بمقدار الخوف، في لحظة انتصار على الصمت، ومن نفق بعيد في القلب، جاء صوتي هادرا: مخبولة من تظن أنها ستحبك.. وتمضي



                                             *****************************


قبل قليل كان هنا..

تتهدل رموش المساء وأعود إلى شططي، أحتاج كثيرا من صحوي وأنا أبحث عن تفاصيله الغامضة، أتمدد على ضفاف الدنيا الجميلة لأمنح حياة لي وله، ألمس فوضاه بداخلي، أتهيأ لموعد لا أحد يعرف اتجاهه، يسوقني فيه هبلي نحو ضعف كبير يسرق مني كل الليل.. 
أي حلم هذا الذي يزيد مشقتي كلما بحثت عنه، ويخفي شيئا مبطنا يجعلني أرتب حوائجي لأغادر إلى أبعد نقطة ممكنة، ألملم شؤوني الصغيرة بعيدا عن هذه المدينة التي ما عدت أشعر حيالها بالحب.. داكن هذا المساء، كأول ليلة في المنفى..كذلك اللحن الأندلسي الضائع..
تيقنت أن الصدفة لن تأتي، فقط أحاول أن أتذكر ذلك الوجه، أتتبع كلماته المتعاقبة، وألمسه قبل أن ينتفي..

 هل كان حقاً هنا !

                                             *******************************

                 

رحلتَ كما تعودت أن تفعل، وأنا تكومت على نفسي منذ غيابك، حقي أنت من الجنون لا أتنازل عنه رغم الأوهام المعلقة في الفراغ، ترتاد معي المسارح والجسور ودار الأوبرا، اكتشفت أن كل الأشياء التي أتت منك جعلتني أسعد امرأة في الدنيا.. امرأةٌ.. لا تنسى أنها هناك، وراء ظلام الليل، تجهز على نفسها بظلك

24 أغسطس 2012

فضفضة على نهر السين

16 تعليق


جسر ميرابو فجر اليوم على حافة نهر السين

أعمدة النور على جسر ميرابو لم تزدني إلا التصاقا بحافة "السين"..

تستلني ملامحه من بساط النعاس، وعلى غير  هدى تقودني ظلال المساء إلى مقهاي المعتاد في شارع سان سيفران،  أقلب صفحات من كتاب، يتواطؤ هو الآخر مع وجعي، هل كان صاحبه يكتبني دون أن يدري ؟ ( بعيدٌ أنتَ كليل المسرات.. ألستَ معي في هذا؟ ما الذي يبقيني حية في هذا الزمن البارد، لولا انتظاراتي، وشيء آخر أيقظني من سبات الحياة الرتيبة، لطالما شدني إليكْ، ودفع بي نحو هذا المكان، تحدق بي ولا تدري ما هو.. أوتتناسى، أليس كذلك؟..)
لا أسمع سوى خشخشة الأوراق، أحتسي الصمت المتمادي في غيه، أدفع جبروته بسلاح الكتابة قبل أن تنسحب الكلمات.

المدينة نائمة، حبيبات المطر تغسل الطرقات خجلى، أمشي وحيدة حتى ساحة سان ميشال التي هدأت للتو، تقودني قدماي نحو الحي اللاتيني، أكنس ببصري شوارعه الخلفية الضيقة، مطاعمه ومقاهيه التي أوصدت أبوابها في وجه الغرباء، في هذا الحي تجتمع في تناغم كل القارات، تسمع كل اللغات، وترى كل الوجوه والألوان، إنه الآن خال من كل هسيس إلا من غيابه المتعب الذي يصعب ترميمه، أصل جسر ميرابو، الضباب دافئ على غير عادته، طوق ليل باريس بوشاح من البياض، أجج شهوتي للبقاء مسمرة وحدي، كل ما هنا يخبرني أنني عشت اللحظة من قبل، وفي كل مرة أشتهيها وكأنها الأولى، شيئا فشيئا تندفن تفاصيله فيّ كليا، يأتي صوته كهدية مسائية تطرق مسمعي.. كيف عرفت قبله أناسا كثيرين، وكيف لم يهزني بعمق سواه!..

القلب لا يحيا من غير ساكنيه، سكرات الحنين مريعة، وغيابه أكبر حالة قهر أصابتني..
أليس عبثا أن نعاند القدر ونجاري أحلاما لا أمل في تحويلها إلى واقع ؟

أشعر به يتحسس خطوي ويناديني.. بلا صوت، أبحث عني على سطح النهر، لا تزال في صورتي بقايا مسحات من الفرح،  
ربما هي خدعة الحياة، رد فعلها غريب دائما، تداري سوءاتها حين تؤلمنا بسخاء، أخوض حربي المسائية، إلى أن أنتهي إلى المعادلة الناقصة: "إذا لم نلتق ليس مهما، فهناك شيء ما جميل مشترك بيننا يمدنا بالحياة من حيث لا ندري".. 


( المقتطف مابين قوسين للكاتب المميز ناصر الريماوي )

04 أغسطس 2012

مهلا أيها المنفى.. تريث

10 تعليق


هذه البلاد رطبة يا حبيبي.. وأنا تعبت من ترميم الكسور..

طفرت من عيني دمعتان، أرأيتهما؟ أرأيت صمتي الساكن مثل الليل، ووهج النار الذي بداخلي، صوتي خفيض لا يسمعه إلاي، المدينة بلا بوابة، الشمس فوق رأسي بعيدة لا أتبينها، شكل البرج الحديدي لا يعجبني..الناس من حولي كثر، لكنني لا أرى أحدا، إنهم غير موجودين..

وتوقفت.. في منتصف الحب، أمسح بيدي الوجع.. غسلت وجهي، وظل الماء يؤلمني..
كل شيء شحيح، ماذا هنا من دفء الحارات وضجيج  الأسواق و نداء العطارين ونكهة الخبازين وصرخات الباعة ورائحة الجلد في سوق الدباغين، على حواف أذني يستقر صوت الآذان ورنين أجراس الكنائس القديمة وطَرْقات الحدادين وصيد البحارة وسواعد الجدافين..

وصورتنا ومريم أو ماريا ونحن نلتف حول نافورة الحديقة الزرقاء بعد أن رشت ما حولها بعطر مسك الليل، تلقننا أسماء الشتلات الأندلسية دون أن نعير وقتها أدنى انتباه للجمال المحيط بنا.. وتسهب في الشرح بعينين سوداوين واسعتين يغمرهما الحب رغم مسحة الحزن التي لم تفارقهما..

على إيقاعات العود وراء أسوار المدينة القديمة وفي حارات فاس البالي يضبط الميزان، ويتشكل عرس من الألوان نجماته نساء الحارة بملابسهن المزركشة  وأجسادهن المضيئة،  كن على موعد مسائي مع الإيقاع بعد أن يفرد النسيم أجنحته وتتوارى شمس الظهيرة خجلى، تتبارز فيه مارانيات الملاح والعربيات في إنشاد تراتيل الحب وما تيسر من الطرب الأندلسي ورؤوسهن وأكتافهن تتمايل مع هسهسة الماء الذي  تسرب من وراء أشجار البرتقال..

على حافة المنفى تستكين الذاكرة، وتختفي أشعة الشمس وراء غيمة لا تنسحب أبدا، تنزلق الأفكار لتطرد عبثية الأقدار دون أن نقوى على النسيان ولا حتى على الحياة..
ويقوى الشوق لأرض لم تعد موجودة إلا في الحلم، أرض كانت مختصرا لكل الآمال، ينبطح فيها الأقحوان على امتداد البصر ويصمد لخمسمائة عام غصن الزيتون، وتقوم الطيور من غفوتها وتخرج الفراشات من كراسات الصغار وتنمو التفاصيل التي كانت في وقت عادية وتبدو الان غير ذلك..

المنفى دائرة مغلقة سحبنا إليها القدر، لئلا تنام أعيننا من جديد، وعلمنا كيف نخفي الوجع ونهب أجسادنا للنار، ثم انسحب مخلفا إيانا كومة رماد..

شيء ما فيه مذاق الصبا وطعم الغياب وأجيج الرغبة ينظر نحوي بعينين شاردتين وذاكرة متآكلة تسرب منها الألم نحو عالم لاشيء فيه إلا الغياب والأسئلة المعلقة..
أنفصل بوجع عن الحياة، وأنام خلف كل هذه الألوان والطقوس والحكايا، أنصت لأنين داخلي غابت وسائل دحره ويرفض أن يرتاح قبل الرحيل ..

02 أغسطس 2012

كيف أعنون هذا الشتات ؟

16 تعليق


تخذلني الكتابة أحيانا، وشهوة البوح، يبدو كل شيء مغيما في ذهني، يخيفني بياض الورق، تتمكن مني حالة قنوط حادة وتتنكر لي اللغة، لكن حواسي تظل مستيقظة تراقب تفريغ الألوان عند مصب الذاكرة، فأتوقف، لأودع بعض تفاصيل الحياة، وأمضي إلى حيث لا يتبعني هدير الألم..

أنتظره أن يأتي، وأحاول أن أكتب.

على حواف الجسر، أمشي خفيفة أسمع نبض دمي، أوقظه على وجع فائت، أتلفت خلفي..
لاشيء سوى هاجس الخطى، وشرفة موصدة في داخلي، لا أحد يمر بها..أفرغتني المسافات من جسدي، من ضحكاتي الحميمات، وماء أحلامي، هزتني حبال الريح، فصحوت، أبحث عن رائحة العشب بعد المطر..

في ساعة لا نظنها يأتي الحزن، خفيفا كالموت، يوسع من نتوءات الحياة، فيبدو كل شيء ضبابيا في باطن الذهن، وتتكاثر الأسئلة المعلقة.. أفكر بلا هوادة، حتى تستقيم الأفكار عند باب العقل، أستنطق ألواني التي مزجتها، وأرى ملامحا لم تكن أبدا واضحة..

كلما اشتهيت الفرح أعود إلى قسمات الصغيرة،  وفي الحقيقة أعود إلي، أبحث عن منفذ للشتات  فوق غيمات من الوهم، أحن إلى الأجفان الصغيرة وهي تغالب أحلاما بلون الفردوس، أستحضرني وأنا أخلط الألوان لأرسم فراشات وأحلم أن أطير معها، في مدينة كنستها الرياح، لكنها لم تبدو لي أبدا باهتة..

كلما اشتهيت الفرح، أمتلئ عن آخري بتفاصيل الذاكرة لأعطي الحياة لما بقي من الأمنيات الهاربة، وأتملص من قلقي، من فوضى العابرين، وسخرية القدر، ومن كل البياض الذي يأتي دفعة واحدة، أترك النور الذي نما بين أناملي ينزلق من يدي، ويتلاشى الأزرق الناصع، ولا أفكر إلا في شيء واحد: كيف أعيد البسمة للشفاه الغاضبة..

24 مايو 2012

ذاكرة أندلسية ( قرطبة )

16 تعليق


الأزقة ضيقة والدروب خاوية، لا لون للسماء، الغيمات مجعدة، الشرفات مغلقة والستائر مسدولة، أرنو إلى البيت الذي خلا من سكانه، أزهار صفراء يابسة تنظر إلي، أتفاداها، الصحن الوسطي جف منه النبع، والغرف التي تلتف حوله جفت منها الحياة..لا أسمع صوتا، لا أسمع صوتي، أتساءل عما يدور ببال الصمت..
يجيبني الصدى: إنه جيش مهزوم عائد من معركة خاسرة، يجمع أشلاء الخيبات في سكون الظهيرة على أنقاض مدينة الزهراء..أنتِ تبعدين بثلاثين كيلومترِ خيبةٍ عن قرطبة..

أمشي، الساحة خالية والمشهد ذاته، سكون رهيب، وأنا أكره الهزيمة، سأبحث عن شيء في اللاشيء..
مهلا أيها الانتظار، أَرْهِفِ السمع، شيء ما يأتي من عتبة دار المدنيات، إنه لحن زرياب يخرج من أسوار المدينة الخالدة..
تنفجر الموسيقى من بين أصابعه وموشحات لا عهد لي بها، رذاذ حنون يسقط فوق جبيني، أرتشفه، تسوقني الريح ويذوب اللحن الأندلسي في دمي..

أعبر قنطرة الوادي الكبير إلى ضفة جامع قرطبة، تحملني النسمات إلى الداخل على غير هدىً، يبتعد نظري إلى حيث أجدادي الموتى، أسير بين الأروقة، أنظر إلى قباب المسجد وأقواس الآجر الأحمر وقطع الحجارة الصفراء والفسيفساء والسقف والأعمدة والجدران المنقوشة باسم الله،  تلك اللحظات عصية على الإدراك، تنتهي بغلبة الشوق على القلب..
أضع وشاحي على رأسي وأصلي، تفاجئني عواطفي..شرسة، قلقة، غامضة، قنوعة، خائفة، راضية..
أتأبط ذاكرتي كيلا تقع، أبحث لنفسي عن مكان في فناء المسجد المغروس بالأشجار، تطير حولي الحمامات، أرقبها وهي تبحث عن شربة ماء من سقايات الجامع ونوافيره، أوجه بصري نحو المئذنة، أعود إلى عصر الخلفاء الأمويين، أستحضر أولئك الذين تركوا بعضا منهم.. ورحلوا.. 

أغادر وتبقى دمعتي عالقة هناك..

صفير الريح الهادئ يكنس الغبار عن وجه العابرين، وجوه شقراء باردة، لا تشبهني، متسارعة الخطى، تنظر إلى هذه الغريبة.. أي ريح حملتها إلى مكان لم يبقى من وجودها فيه سوى الأثر؟ ..
جرح ضخم ومفتوح كان ينزف وقتئد، وأنا أبدو ككائنة غريبة حكم عليها بالطرد قبل خمسمائة وعشرين عام، تمتمت بشبه كلام لم أفهمه، عيوني زائغة وحماسي غائب، لبستني حيرة لم أعتدها، وكأنني أركب سفينة المنافي مكلومة منكسرة، أستعد للموت البطيء داخل سفن الترحيل .. 

مر الزمن بطيئا، وأنا أبحث عن قصر الإمارة، وعن أحواض الرخام وصهاريج المياه العذبة التي جادت بها جبال قرطبة، عن أشجار الصنوبر الحلبي  ونوار الشمس وشجيرات الشام وحدائق قصر الرصافة، عن مسك الليل وأشجار الزيتون والكروم، عن الأسواق والحوانيت والحمامات.. وعن بقايا الأمير عبد الرحمن..
انهالت علي الأمطار، تضرب وجهي، تحجب عني الرؤيا، حبيبات الثلج الصغيرة تتساقط فوق جبيني، ولا أشعر وأنا مندسة تحت شجرة البرتقال الكبيرة، إلا بوخز في قلبي..

مرت علي لحظة غريبة، لم أعرف كيف أفسرها، كانت قرطبة الكون، وكنت لاشيء، وكل شيء.. عمت مسحة من الأسى ملامحي، نفضتها.. ومضيت..

04 مايو 2012

اللوح الأزرق

19 تعليق


"هل القدر هو من يوجهني إلى بلاد أدمنتها وتسكنني أم هي حواسي تسوقني إلى ربوع الأندلس حيث تختلط في وصفها العبارات" ؟

انتهت الصفحات الخمسمائة وإثنين وستون، وبقيت أتفكر في العبر التي جاء بها الكتاب ..
المكان إسبانيا والزمان إبان سقوط الأندلس وتناحر ملوك بني الأحمر على السلطة واقتتالهم في سبيل المجد الزائف الذي سيفتك بغرناطة، آخر المدن الأندلسية الصامدة ..

ما كنت مخطئة هذه المرة أيضاً حين اخترت كتاب اللوح الأزرق لجيلبيرت سينويه، فقد تركت رواية ابن سينا طابعا عميقا في نفسي جعلتني أبحث عن مفاجأة أخرى لذات الكاتب.. فكان اللوح الأزرق ..

هذه الرواية تبين الثقافة الواسعة للكاتب واطلاعه على الأديان السماوية الثلاث، فما تحمله من آيات قرآنية وأجزاء من الإنجيل وما جاءت به الثوراة تجعلنا نصفق له تقديرا وإعجابا.
تجسد الرواية فترة كانت الأشد مرارة، حيث سقطت الدولة الإسلامية في الأندلس، وغرناطة صارت قاب قوسين أو أدنى من الضياع، كما ظهرت محاكم التفتيش في إسبانيا ونقض ملوكها عهودهم باحترام باقي الأديان، أما حملات التنصير فعلى أوجها، تدعمها الكنيسة والملكين فرديناند وإيزابيلا..
هذه الفترة كانت عصيبة على المسلمين كما كانت على اليهود، وقد أرخ التاريخ فيما بعد ويلات تلك الحروب والوحشية والتنكيل التي اعتُمدت مع غير النصارى، وابن برول، بطل الرواية، واحد من ملايين كانت تقتاد كل يوم إلى المحرقة..

من هنا كانت البداية، حين اقتادت محاكم التفتيش "ابن برول" بائع اللوحات الزيتية، الرجل اليهودي والحبر العالم وآخرين غيره من اليهود والمسلمين إلى المحرقة بتهمة الهرطقة والارتداد عن الدين المسيحي وممارسة شعائرهم الدينية خفية ..
ويُحرق ابن برول بعد أن ظل متشبثا بيهوديته رافضا تغيير ديانته لحساب النصرانية.

نهايته بداية القصة، حيث كتب قبل موته ثلاث رسائل لثلاثة أشخاص من ثلاث ديانات مختلفة، تحمل كل واحدة منها كلمات مشفرة لا تكتمل إلا بالتقاء الرسائل الثلاث، وذلك بغرض الوصول إلى اللوح الأزرق، لوح من الحجارة الكريمة يحمل سرا إلهيا، وحكما سماوية . 

لفك الشفرات التي قسمها بطل الرواية إلى ثمان قصور، يجبر الأشخاص الثلاثة وهم المسلم الشيخ ابن سراج واليهودي الحبر المسن عزرا والراهب الشاب المسيحي رافائيل فارغاس إلى التعايش بينهم لفك الألغاز المعقدة وتتبع الإرشادات رغم اختلافاتهم العقائدية، فتبدأ رحلة البحث المضني ما بين غرناطة وطليطلة وسلمنقة ومدن أخرى أندلسية عن العلامات التي قد تحمل معنى، قبل أن يسرق خادم ابن سراج أوراق سيده وتسقط في أيدي محاكم التفتيش، لتُرسَل بذلك مانويلا، صديقة الملكة لاقتفاء أثرهم وتندس جاسوسة بينهم، لكنها سرعان ما تنبهر بسعة علمهم وتتخلى عن دورها في الدفاع عن الشر الذي ما ارتضته يوما وتتأكد من حسن نية الرجال الثلاثة..

الرحلة نحو اللوح الأزرق وعرة ومحفوفة بالمخاطر، لكنها لقنت الثلاثة رغم اختلافهم دروسا وعبرا ليست بالهينة، واتفقوا على الوحدة في سبيل قضية سامية ما كانت لتكتمل لولا تضافر جهودهم مجتمعين..

سأترككم تكتشفون خبايا الكتاب، لكن قبل ذلك أوافيكم باستنتاج بسيط مفاده أننا مهما اختلفنا، واختلفت دياناتنا، لا يحق لنا  إجبار الآخر على اعتناق أفكارنا ومعتقداتنا، بل كل رسالة سماوية هي مكملة للأخرى، وعلى هذا المبدأ تنبني طريقتنا في التعامل مع الآخرين على أساس الحب والاحترام والتسامح بكل ما تحتويه هذه الكلمات من إنسانية .

09 أبريل 2012

الملتقى السنوي لمسلمي فرنسا.. 29 عاما من التحدي

11 تعليق



منذ تسعة وعشرين عاما، واتحاد المنظمات الإسلامية بفرنسا يواظب على تنظيم ملتقى يعرف بالملتقى السنوي لمسلمي فرنسا..
نظم الملتقى هذا العام في الفترة ما بين السادس والتاسع من أبريل ٢٠١٢، والذي تختتم فعالياته ظهر اليوم، وقد حمل شعار { الإيمان- الإصلاح- الأمل }..

 هذا الملتقى الذي وصل عدد مشاركيه العام الماضي إلى 150000 مشارك بعد أن كان لا يتجاوز بضع مئات من المشاركين  في بداياته عام 1984، والذي استقبله قصر المعارض بباريس لوبرجيه، افتتحه الشيخ أحمد جاب الله، رئيس اتحاد المنظمات الإسلامية بفرنسا في خطبة الجمعة بمقر الملتقى، تحدث خلالها عن محور اللقاء وتطرق إلى أبرز عناوينه وأكد على ضرورة الحوار بين مسلمي فرنسا والغرب وإبراز الصورة الحقيقية للدين الإسلامي الذي يحثنا على الإصلاح والصبر.



صباح الجمعة، فترة الانتظار كانت عصيبة، وبدأ التذمر يظهر على وجه المشاركين، الافتتاح كان مقررا على الساعة الثانية عشر ظهرا، لكنه تأخر لثلاث ساعات، أعيانا الانتظار، استكنا حين علمنا أن التأخير خارج عن إرادة المنظمين، وأنها المقاطعة الباريسية تأخرت في منحهم التصريح.، كانت هذه أولى العراقيل التي تضعها السلطات الفرنسية في وجه الملتقى ..
المكان لم يخلو من رجال الأمن بسياراتهم ودراجاتهم النارية، لكن المشهد كان عظيما وحضاريا، ولم تسجل أية خروقات..


وسائل الإعلام في كل مكان، العربية منها والغربية، دعتني إحدى القنوات الفرنسية للحديث عن رؤيتي للملتقى ومدى أهميته، لكنه الخجل اللعين فعلها مرة أخرى رغم إصرارهم، إنه الظل يروق لي أكثر، وأكتفي بالمراقبة عن بعد :) .
هذا لم يمنع لقاءا ظريفا مع صحفي جزائري، يعمل بصحيفة "البلاد"، حضر الملتقى لاستطلاع الرأي، تبادلنا بعض الأفكار فيما يتعلق بالواقع الحالي خصوصا بعد أحداث تولوز ومونتوبان، كما كانت مناسبة للحديث عن البلدين الجارين، المغرب والجزائر وعن علاقاتهما المتوثرة حينا والهادئة حينا..

 كان مقررا أيضاً أن يفتتح الشيخ مشاري راشد العفاسي قاعة المحاضرات بآيات بينات من الذكر الحكيم، اصطف جمهور كبير وسط القاعة، الكل متحمس لسماع صوت الشيخ المهيب، ففوجئنا بالمنظم يصعد المنصة ليخبرنا أن الشيخ لم يصل باريس بعد، وأن عائقا ما حال دون وصوله إلى الملتقى، استبدلوه بشاب فرنسي اعتنق الإسلام، حافظ لكتاب الله، تلى علينا ما تيسر من القران الكريم، الاستماع إليه مفخرة للإسلام الذي لا يعترف بأجناس ولا عروق غير الانتماء لهذا الدين .




ملتقى هذا العام متميز بمحاضراته وندواته التي ألقاها نخبة من أبرز المحاضرين العالميين، صبت جميعها في الدعوة إلى التسامح والتآخي والتعاون المتبادل كما استنكرت الهجوم الذي شنته فرنسا على اتحاد المنظمات الإسلامية ومنعها بعض المحاضرين من الحضور للملتقى وتعبيرها عن استيائها من حضور آخرين كما حدث مع الشيخ يوسف القرضاوي والدكتور طارق رمضان، الدكتور والأستاذ المحاضر السويسري في علوم الإسلام بأوكسفورد، بريطانيا، وجامعة فرايبورغ بسويسرا، هذا الأخير الذي حضر الملتقى رغم إبداء فرنسا انزعاجها من ذلك، وطبع اللقاء بجملته التي تداولتها أشهر الصحف الفرنسية، {استاؤوا من قدومي، لكنني أطالب بتوحيد فرنسا، لا بتقسيمها }، محاضراته غنية عن التعريف، تصب دوما في بحر الحقيقة بوجهته الصائبة وفراسته ونباهته، وكيف لا وهو حفيد حسن البنا، رجل الإخوان المسلمين ومؤسسها قبل أن يمسها الآخرون بضر.. 



كانت المداخلات مقنعة جدا ومفيدة، حثتنا على تحديد المسارات التي تساعدنا على تحضير مستقبل مسلمي فرنسا، وكان للأستاذ عمار لصفر نائب مدير اتحاد المنظمات الإسلامية الفرنسية ومدير مسجد مدينة ليل رأي صائب حين قال بأن مستقبل الإسلام في انفتاح العلماء وليس بانطوائهم، وأننا نحتاج إلى علماء متمكنين من القرآن والبيئة التي يعيشون فيها 

كانت محاضرة جان بوبيرو حول العلمانية التي وقع تزويرها مثرية أيضاً، استهلها بتعريف العلمانية على أساس أنها حياد الدولة ومؤسساتها، لا حياد الأفراد أو الفضاء العام كما يروج له البعض، وطالب الدولة بأن تكون محايدة وعادلة في حماية الأفراد رغم اختلاف مذاهبهم وعقائدهم..

النساء كن حاضرات، بما عايشنه في ثورات الربيع العربي، وما قدمنه من تضحيات جسام لأجل ثورات ناجحة، على رأسهن السيدة محرزية العبيدي، خريجة السوربون بباريس، نائبة رئيس المجلس التأسيسي التونسي وكذلك المناضلة اليمنية صاحبة جائزة نوبل للسلام توكل كرمان ، ساندهن في حديث الثورة الشيخ راشد الغنوشي، رئيس حزب حركة النهضة الحاكمة في تونس ونائب رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين .




محاضرة أخرى قيمة للشيخ عمر عبد الكافي، الذي وجه لمسلمي فرنسا جملة من النصائح طالبهم فيها بأن يكونوا مثال المسلم النظيف في تعاملاتهم وينشروا مبادئ ديننا الحنيف القائم على السلم، البعيد عن العنف والتطرف، كما وجه نداء للإدارة الفرنسية لتراجع مبادئها وتعود لاحترام الرأي والرأي الاخر وتؤيد حرية الفكر والاختلاف ..

اعتبر السيد إيريك فاندورب من خلال مداخلته أن انتشار الأحكام الجاهزة والمغلوطة ساهم في مضاعفة الكره للإسلام والمسلمين وتطرق إلى مفهوم الإسلاموفوبيا ( إرهاب الإسلام ) الذي تأجج بعد أحداث ١١ سبتمبر مما خلق نوعا من الكراهية والعنصرية المفتعلة وأننا ننتقل إلى مرحلة الإسلاموبارانوا ( توهم عنف الإسلام )، فتشن بذلك حملات هجوم على الإسلام والمسلمين وتقيد حريتهم وتبثر حقوقهم وتنسب إليهم الإرهاب والعنف .






عرف الملتقى كذلك إطلاق المسابقة الوطنية العاشرة لحفظ القرآن الكريم، وذلك بالتعاون مع المنظمة الدولية لتحفيظ القرآن الكريم والمعهد الأوروبي للعلوم الإنسانية، الذي يهدف بالأساس إلى تشجيع الشباب المسلم على توطيد علاقته بكتاب الله وفرصة للتدبر في معاني القرآن واكتشافه..



جديد الملتقى هذا العام "جناح الشباب"، 4000 متر مربع هي المساحة التي خصصت للفئة العمرية ابتداء من  14 سنة، برنامجه يقوم على مرحلتين: الاكتشاف والتصرف، هذا الفضاء يدعو لآكتشاف آفاق جديدة، واكتشاف ما جاء به الإسلام..، إنه معرض ينفتح على عالم الشباب، خصصت أكثر من نصف مساحته إلى منصات عرض لمهنيين وجمعيات يهدفون بالأساس إلى توجيه الشباب في مسيرتهم ومنحهم وسيلة للتصرف والتحرك وعرض مختلف الخيارات المتاحة لهم ليصبحوا عضوا فاعلا في المجتمع. 



المعرض الدولي للعالم الإسلامي كان فرصة لاستكشاف جميع جوانب العالم الإسلامي ، فقد قدم للزوار الإنجازات العلمية والثقافية للعالم المسلم، حرفيون وتجار وفنانون كشفوا النقاب عن خبراتهم، قادمين من إفريقيا وآسيا والشرق الأوسط، المعرض يمكنك من الغوص وسط حضارة تحتوي على خزان ثقافي وفكري استثنائي . كما أن هذا الحدث فرصة ممتازة للحصول على معلومات كاملة عن الثقافة العربية الإسلامية .



المكتبات احتلت مدخل المعرض، غنية جداً ومتنوعة، وجدت بها كتبا بحثت عنها لمدة، كما أن الكتب التربوية للأطفال كانت مميزة وتسهل عملية الاستيعاب لدى أطفال المهجر، مصاحف وسجاد عربي وألبسة وأطعمة وبخور، حتى مياه زمزم كانت حاضرة :)






الأقصى المبارك كان حاضرا وبشدة، حملات للتعريف به وبما يحدث حوله، دعوة لمناهضة التطبيع وتجميد العلاقات مع إسرائيل، وحملات أخرى للتبرع والمساعدة من أجل أطفال فلسطين .


فلسطين حاضرة في المعرض كما في الوجدان .



كان هناك نصيب للثورات كذلك، حملة دعم واسعة لسوريا، جمع التبرعات لمساعدة أهالي البلاد، منتوجات رمزية بيعت بالمعرض وعائداتها خصصت لمساندة الثوار والثورة .  



كما تمت الإشادة بثورة تونس، بأهدافها المجيدة، كان حاضرا طعم الحرية والرغبة في المضي قدما نحو النصر من أجل تحقيق مبتغى الثورة كاملا، ووفاء لدم الشهداء الذين جادوا بأرواحهم لتحيا تونس حرة .



الخدمات التي قدمها مطعم الملتقى كانت جيدة رغم بساطتها، مكان تستريح فيه من وعثاء يوم مكتظ، تألق المطبخ المغربي، لا تعتبروه تباهيا، ولكنه لم يهدأ ولم يستكن مقارنة مع باقي المطابخ، الكل في انتظار طاجين مغربي وطبق كسكس على الطريقة التقليدية :)

خرجت من المطعم أكمل مسيرتي من قاعة إلى أخرى، ومن حوار إلى آخر،  جمع غفير من المسلمين، وجوه طيبة هنا وهناك، مسامرات فنية وإنشادية، معارض ثقافية وتجارية، جو مفعم بالأمل ..
 مرت الأيام الأربعة في سلام تام، ما بقيت لنا سوى ذكرى جميلة إلى حين تجديدها مع ثلاثينية الملتقى العام المقبل إن شاء الله .

01 أبريل 2012

معهد العالم العربي.. ربع قرن من الصمود

28 تعليق



لابأس بنبذة عن معهد العالم العربي قبل أن نشرع في التجوال بين ثناياه،  يقع المعهد في الدائرة الخامسة من باريس، جاء منذ خمسة وعشرين عاما ثمرةً للتعاون بين فرنسا و٢٢ دولة عربية وهي: اليمن، المملكة العربية السعودية، البحرين، جزر القمر، جيبوتي، سوريا، الإمارات العربية المتحدة، العراق، الأردن، الكويت، السودان، ليبيا، قطر، موريتانيا، عُمان، فلسطين، المغرب، الصومال، لبنان، مصر، تونس والجزائر . 


معهد العالم العربي عبارة عن مؤسسة قائمة على القانون الفرنسي، تم توقيع عقد أساسه عام ١٩٨٠، وفتح أبوابه عام ١٩٨٧، هدفه الرئيسي خلق تواصل فكري بين الشرق والغرب وتطوير معرفة العالم العربي وتعزيز ثقافته وحضارته وتقريبها من الجمهور الفرنسي والأوروبي..

بين ضفاف السين وجامعة جوسيو يقع المعهد، إنه عبارة عن تركيبة استعارت ألقها من التصاميم المعمارية الشرقية والغربية وأضحت جسر وصل بين التقاليد والحداثة، قام بتصميمه مجموعة من المهندسين المعماريين المرموقين أبرزهم "جان نوفيل"، ذاته الذي صمم متحف "كاي برانلي".


في الطابق الأرضي نجد مكتبة المعهد، زوارها كُثر، من خلال عناوينها 20000 المتميزة بتنوع أعمالها، حيث تتعدد المجالات، نجد الأدب والفلسفة والتاريخ والعلوم والفنون والسياحة وكذا معاجم مختلفة لتقريب اللغة العربية من الزوار الغربيين..كما تهدف إلى إرضاء الطلبات المتباينة والمتعددة، وتمكننا من الإبحار في أعماق الثقافة القديمة والمعاصرة.

يقابل المكتبة المقهى الأدبي، ألحانه شرقية، وشايه وحلوياته كذلك، يقدمها مجموعة عاملين لبنانيين بابتسامة عريضة..

تتخلل الطوابق صالات للقراءة، بالغة السكون، روادها منغمسون وسط كتب رصفت بعناية لخدمة الطلبة والزوار والباحثين، كما يقوم المعهد باستضافة كتاب ومثقفين وتنظيم أسابيع ثقافية ومعارض من وقت لآخر تعنى بالشأن العربي في مختلف مجالاته..
هذا ويتيح المعهد إمكانية تنظيم احتفالات ومهرجانات واجتماعات وتظاهرات ، ويقدم خدماته للمؤسسات والشركات والأفراد وذلك بتأجير قاعاته لذات الغرض .


في الوقت الذي يستعد فيه متحف اللوفر لفتح جناح مخصص للفنون والآثار الإسلامية، عادت الحياة للطابق السابع من معهد العالم العربي في ٢٠ من فبراير ٢٠١٢، حيث يوجد متحف المعهد، بعدما استغرق تجديده ثلاث سنوات، فصار بشكله الجديد والمتميز يعطي رؤيا واضحة ومعرفة أفضل عن الحضارة العربية بتنوعها وبمختلف مراحلها بعد أن كان يعنى بالفن الإسلامي فقط، فما تضمنه من قطع أثرية ولوحات ومعروضات جعلته بوابة رئيسية لولوج العالم العربي في بلاد الغرب.


هنا بعض الصور من المتحف التي التقطتْها خلسة كاميرا جوالي، فالتصوير ممنوع كليا بالمتحف.. أعترف أنني كنت مارقة على القانون :)


يشغل فضاء المتحف مساحة ٢٤٠٠ متر موزعة على أربعة طوابق، لكل طابق طابعه الخاص،  كما يقوم المتحف بعد تجديده على خمس مواضيع فرعية وهي : "عربيات" و "المقدس وصور الإلهي" و "المدن" و "التعبير عن الجمال" و "زمن العيش".. فنجد ما يقارب ٦٥٠ قطعة فريدة وآثارا نحتية وتصويرية ومخطوطات وتماثيل وآلات موسيقية وملابس وحلي وأدوات منزلية..


توقفت طويلا عند الطابق السادس، شد انتباهي اختلاف الثقافات وتمازج الديانات التوحيدية الثلاث التي نشأت في العالم العربي، فبه تحف أثرية تطلعنا على الإنسان القديم في علاقته بالمقدسات ونسخ من الثوراة والإنجيل والقرآن، إضافة إلى معروضات تمثل المعتقدات الوثنية التي تكونت ذات زمن في المنطقة. 


كما يمكننا المتحف من مشاهدة أفلام وثائقية طوال مدة تجولنا تبرز مختلف الجوانب التي عاشها العالم العربي على مدى السنين إضافة إلى تسجيلات صوتية للمعلقات الجاهلية وكذلك الاستمتاع بفضاء الموسيقى حيث الآلات الموسيقية العربية تحييها نغمات شرقية. 


التجول في هذا المتحف مريح وجذاب، امتزجت فيه الحداثة وجمالية الديكور والعرض  مع رائحة الماضي وتاريخ أسلافنا، يعيدنا إلى ثقافات ما قبل التاريخ  حيث المقتنيات والقطع شاهد على حضارة عظيمة تجمع أغلبها بذات المكان، تبعث في نفوسنا نحن أبناء المهجر اعتزازا وفخرا كبيرين..


حز في نفسي، ككل مرة القلة القليلة من أبناء العرب التي تكاد تنعدم مقارنة بأفواج هائلة من الغربيين الذين يهتمون بثقافتنا أكثر من اهتمام أبنائها بها، رغم أن موروثنا يستحق أن نسبر أغواره كي ننصفه أكثر ونقدره أكثر .

الشكر كان موصولا للرعاة المتمثلين في دولة الكويت والمملكة العربية السعودية  ومؤسسة جان لوك لا غاردير الفرنسية، الذين تحملوا تكاليف عملية التحديث والتي بلغت خمسة ملايين يورو لإعطائه صبغته الحالية..

إلى الطابق التاسع والأخير، حيث مطعم زرياب المختص في المطبخ اللبناني الأصيل، أجواء حميمية وغذاء بنكهة عربية..


هنا تنتهي الجولة على سطح المعهد، رؤيا بانورامية في ظهيرة مشمسة تلقي بالبصر على أطراف السين وكاتدرائية نوتردام وبرج إيفل..
تمنيت لو أطلق صرخة من هناك وأحمل الريح رسالة للشباب العربي المهاجر، للفرنسيين ذوي الأصول العربية، للمثقفين، للطلبة، بأن يأتوا فرادى وجماعات لإحياء الموروث العربي المهمش، ويساهموا في رسم صورة حضارية للأمة العربية والإسلامية بدل الوجوه الشقراء التي أرتطم بها كل مرة في ممرات المعهد ..

21 مارس 2012

البيت الأندلسي

12 تعليق


"حافظوا على هذا البيت، فهو من لحمي ودمي. ابقوا فيه ولا تغادروه حتى ولو أصبحتم خدما فيه أو عبيدا..إن البيوت الخالية تموت يتيمة".

كانت هذه وصية سيد أحمد بن خليل (غاليليو الروخو)، أحد المورسكيين ( مسلمي الأندلس) الذي تم تهجيره غصبا من حاضرة غرناطة بعد أن أذاقته محاكم التفتيش المقدس الإسبانية الويلات، رأى في سجونها أصنافا وألوانا من العذاب الذي يفوق احتماله طاقة البشر، لكنه نجى من موت محقق بأعجوبة، حيث وضع الله في طريقه رجلا من رجال الكنيسة ساعده على الرحيل..

مغادرته الأندلس كانت بداية حياة حملت له من الشقاء والفرح والأمل والألم والأسئلة ما لم يجد لها جوابا، ركب سفينة التهجير الضخمة هو والاف غيره مجبرين نحو الجزائر، وترك وراءه بلاده وتفاصيل حياته وحبا يكاد يكون مستحيلا في زمننا الأغبر، ترك وراءه سلطانة بالاثيوس، مارانية ( المارانيون = يهود الأندلس) جمعهما حب عنيف سيحارب حتى النهاية..

بطل الرواية، مراد باسطا، آخر ما تبقى من السلالة المنقرضة، يحاول جاهدا الحفاظ على مخطوطة جده الأول غاليليو، التي دون عليها فضائع ما جاءت به محاكم التفتيش، يساعده في ذلك حفيده سليم وماسيكا، الفتاة الموريسكية التي تعثر بها ذات صدفة، كما يسعى لإثبات حق ملكيته للبيت الأندلسي الذي بناه غاليلو الروخو قطعة قطعة كعربون محبة للالة سلطانة في منفاه في الجزائر، والذي كان متأكدا من أن سفينة القدر سترسو بها عند بابه وإن طال الزمن..

هذا البيت الذي بناه غاليليو في القرن السادس عشر بكل جوارحه وصممه على الطراز الأندلسي المحض بما بقي عالقا في ذهنه من صورة أحد بيوت البيازين بغرناطة، والذي تعاهد أمامه مع لالة سلطانة بأن ينشئا مثله ويورثاه لأبنائهما، نجح في جلب أندلسه إلى منفاه، كل ما فيه يعبق برائحة أرضه الأولى، أشجاره ومسكه ونافورته، حتى الموشحات الأندلسية والفرقة الموسيقية التي كونتها لالة سلطانة ورفيقاتها حين التحقت عبر سفينة تهجير هي الأخرى بغاليليو وعادت لهما بهجة الحياة بعد طول فراق..

لقد برع واسيني الأعرج بدقة متناهية في وصف قرون خمسة مضت، تعاقب فيها الكثيرون على البيت الأندلسي بعد رحيل غاليليو، فعاش فيه كما يصف الكاتب، العشاق والقتلة، النبلاء والسفلة، الملائكة والشياطين، الشهداء والخونة..
سيستولي القراصنة الأتراك على البيت الأندلسي بعد أن يغتصبوا صاحبته، ثم يتحول إلى أول دار للبلدية في الجزائر خلال فترة الاحتلال الفرنسي، بعدها سيتكالب عليه ورثاء الدم كما سماهم الكاتب، فيتحول إلى كاباريه ثم إلى ماخور فمركز لتهريب المخدرات والأسلحة..
إلى أن وصل إلى عهد ساكن البيت ( مراد باسطا) الذي ظل كمن سبقوه من سلالة العائلة يسكن بيت الخدم المنتمي للبيت الأندلسي، والذي قاوم بكل قواه السلطات التي تريد تهديمه لاستغلال مساحته الأرضية وذلك لبناء برج عظيم، والذي سيحمل اسم برج الأندلس..

حملت هذه الرواية دلالات أعمق من قصة بيت يتم الاقتتال عليه، إنها كما يقول الكاتب " استعارة مُرّة لما يحدث في كل الوطن العربي من معضلات كبرى تتعلق بصعوبة استيعاب الحداثة في ظل أفق مفتوح على المزيد من الخراب والانكسارات".

البيت الأندلسي هو كذلك الوجه الثاني للأندلس، للخيبات والانكسارات، للفرقة والضياع، للتعذيب والتنكيل، هو التناحر باسم الدين، هو ضريبة حضارة القرون الثمانية..
البيت الأندلسي هو الوطن العربي ممثلا في الجزائر، هو جشع الطبقات الصاعدة التي لا تتوانى عن إزهاق الأرواح وتخريب البلد لحساب مصالحها الشخصية، هو البلادة العربية والوطنية الغائبة، هو التجارة باسم الدين وتطبيق الشريعة باسم المصالح..

في هذا الكتاب يبيع الرجال أوطانهم من أجل حفنة مال، ويدفنون التاريخ حين يعارض هواهم، رجال يجهلون ماضيهم ويدوسون حضارة كاملة بأقدامهم..رجال تنخرهم سوسة المال والسلطة وما سواهما خارج عن مِلتهم..

خرجت من هذه الرواية ممتلئة بالماضي، بتاريخ نهشوه وحرفوه وزوروه وشوهوه لحاجة في نفس يعقوب، لكنه أحيا فيّ ذاكرة لم تمت، برغم الحرائق التي بقيت في حلقي وبرغم الشجون..

14 مارس 2012

صراع على هامش الحياة ..

19 تعليق


عقلي يطن بالهواجس، في مساء سواده يشي بقلق فجائي، تنشط خلايا الذاكرة، يبتسم لها القلب بوهن، طمعا في إزاحة ثقل الأيام الجاثمة عليه..

يطبق السكون من حولي، فتبدده ذاكرة المدن، تأتيني رائحتها من بين طيات السحاب، فأرحل بخيالي إلى موضع بعيد جداً، إلى حيث يستبد بي الحنين، ولا زاوية تسعني في ظل الكون الفسيح..

نظرتي تعكس شعورا ما، كامنا في قرارة نفسي، لم أتبينه بعد..
تتقاذفني أسئلة كثيرة، ولاشيء سوى أفكار بالغة الشحوب، وهمهمات يلقي بها داخلي، تطوحني خارج الزمان، محمولة على أجنحة الملائكة أو ربما في موكب تقوده الشياطين..

في لحظة هاربة، أشياء كثيرة تصحو فيَّ فجأة، كصورته التي لم تشخ أبدا، كقصيدة مبعثرة تركتها على حيطان مدينة شمالية، كحرقة وداع أخير في مطار مدينة قائظة..

وأنا أجوب الفراغ، اشتهيت الكثير، أشيائي الخفية، أوراقي، مذكراتي، اشتهيت كل شيء، رائحة الخزامى وعطر الشجر، لون الفراشات وحقول السنابل، الدراجة الهوائية وحتى الموج الهائج في عاصمة صاخبة..

عثرات لا دواء لها، إلا الكتابة..لكن..لماذا تحمل دوما بين طياتها انتكاسات لا وجود لها إلا في العقل الباطن؟ ولماذا يميل القلم إلى الخيبة ويغلق نافذة الحلم مع أن الأفق واسع؟ كيف نفقد شهوة العيش وماذا يعني أن نستحضر عنوة ذاكرة انمحت وخرمتها دودة الأيام..إنها محاولات عابثة، كمن يبحث عن نوتة موسيقية في آلة خربة..

أصداء تمر على حواف أذني، تزيدها ثقلا، يفلت الزمن من يدي، خاطري متقد وساعتي متسارعة الخطى، لا تكف عن الدوران، أودها لو تتثاقل، لا لرغبة في العيش أكثر ولكن لاستبطاء الوقت عند ممر الذاكرة وهي تنسلخ عن الواقع..

نهرب دوما من الحاضر..أصرخ بلا صدى..لماذا نفعل؟..ألأن الماضي كان أقل مرارة، أم لأنه مضى وانتهى واحتويناه من أعلى، استثنينا عنصر المفاجآت فصار مجرد سيناريو تشتعل أحرفه في العمق بشوق لإعادة إحياء التفاصيل؟..

سنوات تمضي، وأخرى تأتي، متشابهة، تحمل  أشواقنا، تبدو غريبة، ثم نتعود عليها، كما نتعود على الأمكنة والريح والأشجار والغياب..
تصنع الصدفة قدرا، وأسئلة لا تنام، فتغيب الخيارات، ونلحق بالركب على سفينة الحيرة، نركب عباب البحر مرغمين، وتسوقنا الريح خارج الوقت..

يسكنني جنون الكتب، مولعة برائحة مكتبتي، وحدها تملأ خوائي، لاشيء في هذا العالم غيرها يمت بصلة لقوم أعرفهم ويجهلونني، أسافر إلى أرضي الأولى، أملأ صدري ونظري بألوانها، بالدفء المشع الذي يصعد منها، بسرها الذي لا أدركه، أُشبع جوعي، أدخلها وأخرج كاملة، معي النسائم المالحة التي يجود بها البحر، والأشعة الصباحية التي تخترق عذرية الستائر، أشجار الزيتون والبرتقال، رائحة المسك، وزهر الياسمين الذي تحمله عربات الليل، حتى الأدوات الصدئة التي كانت تستريح فوق العشب المبلل..كلها معي..

في لحظات الخلوة وساعات الضجر، أبحث عن أي شيء يعطي معنى لمنفاي، لحلمي الهش، يأتيني صوت أرضي متسربا من بين أشجار الصنوبر العاليات، مخترقا الصخور والوديان، وقلقي الذي أتملص منه في لحظات الغفلة، أهرب من أشواقي المنكسرة وهسهسة الماء في عشية ربيعية..

لا..لا..لست نسمة هاربة معلقة بين السماء والأرض، الأمل..هذا الشعور أجمل ما فيَّ، لن يُسرق مني، لن تهزه نداءات الاستغاثة التي تملؤني، هناك خيارات أخرى أقوى من قرار الصمت وحفنة ماء وضعها الله في عمق الحرائق لعباده العابرين..

لم أكن أهذي، لم يكن هناك أصلا داع للهذيان، ربما كانت خطوطا تشابكت في لحظة خاطفة، أو مقطعا من كتاب احتفظت ببعضه ذاكرتي فصغته لاشعوريا بطريقة مبهمة..أراه نشيدا حزينا يئن تحت وطأة النفس القاسية..وربما يكون شيئا آخر..


لست أدري..

08 مارس 2012

ذاكرة أندلسية ( إشبيلية )

16 تعليق


في إشبيلية..
أرى برق القصيدة
يسير في السماء
فوق الحارات القديمة
وفي حصى كْوَدَالْكِيفِيرْ
يزحف الوجع إلى جسدي
على ما تبقى من فتات الرحيل
ينقر العصفور بقايا سنبلة في يدي
ويعيدني إلى ظلي..
خلف سياج الحرير


في إشبيلية.. 
يتحدث العود مع الخيول الأندلسية
وتطير الحمامات فوق الْجِيرَالْدَا
وحول القلاع وبين الغرباء
تضيء أجنحتها جرحي القديم
وتجعل موتي أطول
وأنا أفتش عن تفاحات المنصور الذهبية
فوق المئذنة..
وأصغي لحنين الناي
يعزفه عابر إسباني في قصر لَلْكَازَارْ


في إشبيلية..
تدق نواقيس الجامع الكبير
وتمتد أشجار البرتقال
إلى سوق الخياطين والعطارين والصباغين
وأرى رذاذ الليمون
ينثره بنو مرين في الهواء
أرى سلاطين المغرب ومراكش الحمراء
وعصفورة تنام وحيدة أعلى برج الذهب
ونخلة تسند الزمان على سور الْماكَرِينَا
تقاهر العصور..
لتحمينا من فِرْدِينَانْدْ القادم من لامكان..
 

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More