خصصت الجزء الأخير من الرباعية الأندلسية لغرناطة، جوهرة المدائن في القرن العاشر الميلادي، كانت في بداية الفتح الإسلامي قرية صغيرة لم يعرها المسلمون اهتماما لوجود مدينة البيرة بالقرب منها، لكنها صارت تنمو وتتوسع بعدما سقطت الخلافة في قرطبة، وأحرق البربر مدينة البيرة واستولوا عليها، مما دفع سكانها للانتقال إلى غرناطة، وصار اسمها يسيطر تدريجيا إلى أن حل محل البيرة..
كانت غرناطة تقع على الضفة اليمنى لنهر شنيل، وتخترق نهر حدرة، ويطل عليها من الشرق والغرب جبل شلير، أو ما عرف بجبل الثلج، الذي لم تكن تفارقه الثلوج صيفا وشتاء، كان لكل هذه العوامل الطبيعية أثر في ازدهار المدينة وإحاطتها بالحدائق والبساتين..
اتخد زاوي بن زيري عام 1013م غرناطة عاصمة له، ومدَّنها حبوس الصنهاجي، وحصن قلاعها وأسوارها وبنى قصبتها العظيمة، ثم خلفه ابنه باديس الذي ازدهرت في عهده المدينة وعمرت، هذا قبل أن تسقط مرة أخرى من أيدي بربر صنهاجة ويستحوذ عليها المرابطون عام 1089م..
توالت الأحداث وتقلد محمد بن يوسف بن نصر الحكم، وضم غرناطة ليجعلها مملكة له، بيد أن الأندلس الإسلامية أنذاك بدأت تتهاوى وتتساقط مدينة تلو الأخرى تحت سيطرة الزحف القشتالي، الشيء الذي جعل آمال الأندلسيين تعقد عليها، فصارت أنذاك معقل المسلمين الذين نزحوا من المدن المجاورة، فضمت بذلك مجموعة هائلة من العلماء والمفكرين والفلاسفة والأدباء، في علم الجراحة والحساب والهندسة والفلسفة وغيرها..
وقد بلغت غرناطة عصرها الذهبي في عهد أبي الحجاج يوسف الأول، فأقيمت أول نواة لقصر الحمراء، وشيدت الأبراج ونهض فن الزخرفة..
ظلت مملكة غرناطة صامدة تحارب في عهد ملوك بني الأحمر، وتدرء الهجومات مدة قرنين، خلفت فيهما آثارا ضخمة منها قصر الحمراء، معقل غرناطة الهام، الذي يعتبر بمثابة متحف الحضارة الإسلامية الأندلسية التي لخصت فنا معماريا منقطع النظير، وقصر جنة العريف ومئذنة جامع التوابين، ومسجد البيازين وغيرهم..
هذا إلى أن سقطت آخر معاقل بني الأحمر في أيدي الإسبان عام 1492م، وخرج آخر ملوكهم أبو عبد الله منها، وتم إجلاؤهم عن الأندلس جميعها حيث نزح أغلبهم في اتجاه المغرب العربي..
ليبقى المكان الذي ألقى منه أبو عبد الله نظرته الأخيرة على غرناطة معروفا باسم ( زفرة العربي الأخيرة-El último suspiro del moro)..حيث تأمل غرناطة صامتا، ثم بكى ونظرت إليه أمه عائشة الحرة، والتي حفظ لها إلى الان الإسبان باحترام وتقدير كبيرين وألفوا حولها القصص والأساطير لما لعبته من دور لإنقاذ عرش غرناطة في مناسبات عدة بحكمتها، كما أنهم احتفظوا بمنزلها بحي البيازين الشهير، والمعروف اليوم بدار الحرة..
نظرت إلى ابنها عبد الله وقالت له..ابك كالنساء ملكا ضائعا لم تحافظ عليه مثل الرجال..
27 تعليق
التسميات: من الأندلسبسم الله وبعد
غرناطة .. مدينة جميلة جدا
يا له من فن معماري رائع
بوركت أختنا في الله على الطرح الطيب
إخوانك في الله
أبو مجاهد الرنتيسي
أحلام الرنتيسي
نظرت إلى ابنها عبد الله وقالت له..ابك كالنساء ملكا ضائعا لم تحافظ عليه مثل الرجال..الوجع والندم يقطران من هذه الحروف .. لو علمت عائشة الحرة كل ما فقدناه من بعدها لأصابتها جلطة !!!!
بوركت عزيزتي على هذه الكلمات الحبلى بمزيج من الفخر و الألم ..
لقد عززت معلوماتي حول الأندلس وتاريخه .. لك جزيل الشكر
"ليبقى المكان الذي ألقى منه أبو عبد الله نظرته الأخيرة على غرناطة معروفا باسم ( زفرة العربي الأخيرة-El último suspiro del moro)..حيث تأمل غرناطة صامتا، ثم بكى ونظرت إليه أمه عائشة الحرة..."
تدرين أن هذا المقطع تخيلته وكأني بي أشاهد أبا عبد الله وهو يلقي نظرته الأخيرة، حقا إنها زفرة العربي الأخيرة، زفرة انتابتني كذلك وأنا أقرأ، لأنها حقا أخر نظرة يلقيها على غرناطة..
موضوع رائع من سلسلة مواضيعك الجميلة. أحيك أختي الكريمة وبارك الله فيكِ.
ابك كالنساء ملكا ضائعا لم تحافظ عليه مثل الرجال.
آه من كلمات تثير فينا الحنين لبلد كان يسمى يوما الأندلس
بورك فيك اختي امال ، رباعية ساحرة ، جزيت خيرا
و ان شاء الله نجد رباعيات و خماسيات اخرى عن بلدان اخرى
استمتعت بهذه الجولة بكشل لا يوصف ، تأثرت بما كان و خصوصا
طريقة السرد و الوصف من قبلك ، ابداع ، تحياتي و شكري الخالص
لك ، سلام
السلام عليكم
بجد يا أمال مدونتك رائعة جدا ما شاء الله
ومواضيعها شيقة
انا ايضا اعشق الاندلس والقراءة عنها
ان شاء الله اكون ضيفة لك دوما
تقبلى تحياتى
ماشاء الله يا أمال .. أنتظر كتاباتك عن الاندلس دائماً مصاحبة لها الصور فتضفى فى نفسى شعور بالسرور و الحزن .. كثيراً ما أتخيل أو اسأل نفسى ماذا لو بقت الأندلس بيد العرب وكيف سوف يكون إحساسنا بمكان وضعنا فيه لب حضاراتنا و عقولنا ..
عموما الاندلس سوف تبقى ذكرى جميلة فى كل عربى و مسلم ..
تحياتى لك
متألقة هي كتاباتك كالعادة
استمتعت بهاته السلسلة الرائعة عن الاندلس، أحييت فينا التاريخ بحلوه ومره.
شكراا لك
مودتي غاليتي
مشكورة اختى الكريمة اختيارك للموضوع امتيار مع مرتبة الشرف
ما اجمل فن العمارة القديمة سبحان الله من اروع من نظرت غرناطة وكمان غرناطة
زفرة العربى الأخيرة ويالها من زفرة...زفرة لن ينساها التاريخ ..أتمنى أن أزور هذه الأماكن يوما ما لأبكى كما بكى على ما ضيع المسلمون .. بورك قلمك
وينطفئ نور هذه الحضارة حينما أشهر الملكان الكاثولكيان فرناندو وإزابيلا حربهما المدمرة للقضاء على مملكة غرناطة. وقد أكد دكتور إسباني ـ لا يحضرني اسمه الآن ـ أن الحصار الذي عانت منه مملكةغرناطة كان أكثر شراسة مما هو معروف حتى الآن...
ليتنا وعينا الدرس، ورجعنا إلى مصدر عزتنا ومكمن قوتنا...
أبكي لو أن البُكا يجدي فوا أسفا***كم قُرحت بدموع الآس أجفان
هل ردّ أندلسا دمعٌ ومسكنة***وهل يرد فلسطين الأى هانوا؟
كم تختلط المشاعر بين يدي مدونتك آمال
سحر وجمال يسلب العقول ويجلب الدهشة والفخر
وألم ووجع يعتصر الفؤاد على ما ضيّع اجدادانا ولا زالوا يضيعوا
نسأل الله للأمة الوحدة واسترداد الأمجاد
ولقلمك الرائع دوام العطاء
كل الشكر
مودتي
صباحكِ ود وورد اّمال الصالحي
ولايزال السحر الأندلسي يرفرف هنا من قلمكِ
الراقي الذي يأخذنا لمدن الجمال كي نذكر التاريخ
ويحل بعض تلك الأيام بنا
كم كانت رحلة صباحية جميلة هنا
دمتم بكل جمال سيدتي
مساء العطر آمال
وتسكبين الجمال بين حروفك
من جمال الأندلس
الى جمال سطور تختال معكِ
دمتِ بروعة وألق
تحياتي
امتعتينا جدا اختى امل وزادت معلوماتنا من جديد فاحترامى لكى ولقلمك الجميل هنا نسعد جدا ارجوا ان تتقبلى تحياتى الاحـــــــــــــــلام
معلومات وصور في غاية الجمال , بارك الله فيكي أختي الكريمة
السلام عليكم
لا غرابة من مبدعة من أرض تونس الحبيبة
يااااااااازمااان الوصل بالاندلس ......
تبارك الله
قمة الابداع يا(أمل) مدونة عاااامرة بالزاف
أعجبني تنوع المدونة
على فكرة ذكرة لي صديق انو في مدينة في الاندلس تسمى( بني عيسى )
هل يوجد في الاندلس مدينة بهذا الاسم ؟؟؟
تقبلي مروري ؛؛؛
((( محمد)))
xwz101@hotmail.com
كلمات رائعة تعكس بوضوح وعمق أصدق المعاني
بوضوح وعمق أصدق المعاني
تعكس بوضوح وعمق أصدق المعاني
بوضوح وعمق أصدق المعاني
انا من قبيلة يقال لها المغرطيين نسبة الى غرناطة والان نحن نسكن المناطق الجبلية في الاطلس الصغير
يقال اننا من ؤلئك الناس الذين تم تهجيرهم من غرناطة واستقروا في المغرب
صور حلوه ورائعة تدل على حبك للتاريخ الاسلامي في الاندلس ومدى تعلقك به ونرجو منك ارسال المزيد بكاميرتك الخاصه لقصور اشبيليه لاصحابها من بني عباد وشكرا لكي
محب التاريخ الاسلامي
ابو خالد
ahmedsaeed575@rocketmail.com
الله الله.....ضاعت الأندلس و إن شاء سوف نعيد كل أرض الإسلام التي اغتصبت و لن نضيعها مرة أخرى
مرحبا..
آه عليك يا أندلس.. ستظل أنت الفردوس المفقود..
للإشارة زاوي بن زيري هوأحد أجدادي، وقيل أنه مات مسموما.
رحمهم الله برحمتهم. فتلك أمم قد خلت من بعدها الأمم...
كيف حاليا كنيسة قرطبة
إرسال تعليق