01 مايو 2011

على جسر ميرابو

14 تعليق


رحل الليل إلا أقله، والشوارع خاوية إلا من بعض النساء العابرات، وبضع سيارات تفتك وحشة الليل..مشيت بخطوات متثائبة، وصلت إلى جسر ميرابو، وقفت على الجسر، دنوت أكثر  لتصلني حكايا نهر السين وما تهامسه المحبون على جنباته، كم يا ترى شهد من وعود وكم سرا دفن بين ضفتيه؟..كم بائسا ابتلع هذا النهر وكم نهاية سطرها؟..

ما الذي أتى بي إلى هذا المكان بالذات؟..وفي هذا الوقت المتأخر؟..لا يصحبني سوى أثر الفراشة لدرويش..والنهايات لعبد الرحمان منيف الذي ينتظر دوره بين أروقة حقيبة اليد الرمادية..وسيارة مركونة بطريقة عشوائية على ناصية شارع باريسي أقفلت جميع محلاته، حتى الهاتف الخلوي تخلصت منه عمدا لئلا يفسد صوت المدى..

وترفرف قصيدة غيوم أبولينير فوق الجسر..
                                       تحت جسر ميرابو يجري "السين"
                                       وحبّنا
                                       هل من اللّزوم تذكيري به
                                       الفرحة كانت تأتي دوما بعد الأسى
                                       ليأت اللّيل ولتدقّ السّاعة
                                       فالأيّام تذهبُ وأنا في مكاني

نظرت إلى صورتي مليا فلم تبرز لي، ألقيت آخر حبة بندق في جيبي لأرى أثرها على النهر فوجدته يتجاوب معها  وكأنه يناجيها..

وأنا..أنا..

متكئة على حافته، أمعن النظر في مالانهاية، في الأفق اللامحدود، أبحث عن الذات الأخرى، عن واحدة ليست أنا، أو ربما أكون أبحث عن الجزء الاخر مني، عن الجانب الخفي الذي أحاول رؤيته..ويتجنبني..
أغير منحى بصري في اتجاه الشمال، وساعات الحلم الطويلة، أعود إلى صفوف المدرسة ومقاعدها الخشبية، إلى جدائلي، النشيد الوطني الصباحي، والمحفظة الثقيلة، حيث مرتع الكتب المغلفة بألوان مختلفة، الأخضر والأصفر والأحمر والبني الداكن..دفاتر من اثني عشرة وكذا أربعة وعشرين ورقة، الأقلام الجافة والأقلام اللبدية، أقلام الحبر وأقلام الرصاص، واللوحة ورفيقتها الطبشورة...

وأبحر مرة أخرى، هذه المرة في كل الاتجاهات، ترتطم مخيلتي بأشخاص عرفتهم، وآخرين ظننت أني عرفتهم، أتفرس في مذكرة حياتي، أعد القلائل الذين تركوا بصمتهم عليها، وأولئك الذين رحلوا وتركوا وخزا تكفلت به الأيام..أتذكر حبا عظيما رحل، إلا أنه يحيا معي..جدتي الزهراء، منبت الرضى، وعيونها الباسمة..
  
تنهيدة سمعتها الريح الخفيفة التي تداعب الخصلات السوداء حينا، وتقسو عليها حينا..قبل أن يفسد صفيرها المفاجئ خلوتي، ويقطع مرة أخرى صمت الليل..وكأنه تأوه لاشتباكه بخيوط ذاكرتي..
   
ذاكرتي..قفزت من أعلى الجسر، كما فعل بول سيلان ذات نيسان منذ واحد وأربعين عاما، وكما ألقى الجزائريون أحلامهم، لكنني بقيت أنا..أجول بناظريَّ إلى حيث اللامكان، حيث تهتك عقارب الوقت، ويعود الزمن ورقة بيضاء، يرتجف، خائفا، ينتظر مصيره كعروس ليلة عرس..

14 تعليق

مغربية يقول...

هنيئا لك

غير معرف يقول...

على حافة ذلك الجسر كانت نسمات الهواء تداعب خصلات شعرك السوداء تتراقص بكِ الذاكرة كما تتراقص النسمات بأوراق الشجر المرتجفة تسقطين كـ تلك الأوراق على أرض الماضي بكل تفاصيله فتعود أمامكِ كـ شريط سينمائي لكل تفاصيل الحياة ابتداءاً من حروفك الابجدية الأولى وشرائط شعرك الملونة وكتبك المدرسية وأقلامك الخشبيه ..تعودين من جديد لمراهقتكِ الأولى وأول خفقة قلب خجولة وثاني موعد تحت جنح ليل لايسكنه سوى أنتِ وصوت قلبك الهامس وتمر من جديد وجوه عبرت حياتك بعضها لازال عطرها عابق على جسد أيامك وبعضها رحلت لتدركين أنكِ لم تعرفينها يوماً وحب أكبر من الوجود غادر ورحل ولازال يحيا بكِ ومع أنفاسك وتمر تلك الجدة الطاهرة بكفيها المجعده وابتسامتها الحانيه ...فجأة تلك الذاكرة غادرت ..قفزت ..أسقطت نفسها من أعلى الجسر لتتهاوى ذاكرة وتبقى ذاكرة وتجرين الخطى عائدة الى حيث كنتِ من جديد ليبقى حتى هذا الوقوف هنا ذكرى في يومِ ما "
؛؛
؛
أيا آمال
بالله عليكِ رفقاً بنا ياأميرة الحرف والإبداع
لكِ أسلوب أدبي أخاذ يجبرني أن اقراكِ مرات ومرات
دائماً سـ أكون بـ القرب متابعه ومستمتعه "
؛؛
؛
لروحك عبق الغاردينيا
كانت هنا
reemaas

مصطفى سيف الدين يقول...

على ذلك الجسر كنتي هناك
تبحثين عما لا تعرفينه عنك
تبحثين عن آمال اخرى عاشت بداخلك
تبحثين عن صفاء النفس الذي ربمالا تجدينه في مكان آخر
على ذلك الجسر ناجيتي نفسك كثيرا والهبتك الذكريات بنارها والشوق بعذابه
فهل وجدتي نفسك؟ هل حينما قزتي من على الجسر تركت الاحزان خلفك؟ هل حين تهتكت العقارب وتوقف الزمن توقفت معها الذكريات
اشعر بما كتبتيه كأنني بطل قصتك كأنني من وقف يبحث عن نفسه فوق ذلك الجسر
تحياتي لكي
تملكين اسلوبا يسلب الالباب من روعته
اشكرك ان سمحتي لنا ان نطلع على ذلك البوست الرائع

كريمة سندي يقول...

وصف رائع فعلا تقبلي مروري

عبد الحفيظ يقول...

وددت لو كنت هناك ، لاستمتع بذلك الجو الذي تصفينه

مدونة مفيـد يقول...

واااااااااااو وصف رائع و كلمات صادقة نابعة من القلب إن لم أقل من الروح

كما أقول و أكرر ألف مرة أسلوبك رائع يا آمال

سلامي

Tamer Nabil Moussa يقول...

كنتى تبحثى عن امل
او شىء مفقود بداخلك
سعيد بمروى هنا


مع خالص تحياتى

رشيد أمديون يقول...

من خلال وصفك فلابد أنها نظرات شوق للماضي. لا شيء يعيده سوى أن نستمتع أحيانا بتذكره، ولكن المشهد المصور حقا يبعث على التأمل، والذهاب بعيدا بالأفكار إلى مكان ترتاح فيه الروح.
أجمل عبارات قرأتها هذا الصباح هي هذه المسطورة برقة وشفافية.

ملحوظة: لقد ذكرتيني بدفاتر 12 ورقة و 24 ورقة والأقلام اللبدية يااااه مضت سنين كثيرة لم أسمع هذه الكلمة..

مع تحياتي.

دلال ابو هلال يقول...

رائعة.. :)

فيلسوف زمانه يقول...

روعة ليتنى كنت هناك ايضا

د.ريان يقول...

تنهيدة سمعتها الريح الخفيفة التي تداعب الخصلات السوداء حينا، وتقسو عليها حينا.

صباحكِ نقاء وجمال امال

حينما تجتمع روعة الحرف مع روعة المكان لايبقى سوى التأمل

والتخيل ذلك المكان وذلك الليل

كلماتكِ جعلتنا نتمنى ان نكون على ذلك الجسر

دمتم بروعة ونقاء سيدتي

الاحلام يقول...

يالها من متعه حقيقيه فاننى اشعر وكاننى معكى استمتع بهذا الجمال
مع استمتاعى هنا وايضا اكتسب من المعلومات الكثير
دمتى دائما متالقه تقبلى تحياتى الاحـــــلام

أم يقول...

جميل ما قرأت فقد زرت باريس واستمتعت بمناظرها الخلابة تحياتي الصادقة

غير معرف يقول...

كلماتك رائعة اهنئك لقد تمكنت من جعلي اتماشى بجسر ميرابو و ان اغوص بنهر الذكريات اهنئك

إرسال تعليق

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More