ساعات عشرٌ في الطائرة، كانت كافية لأختصر آلاف الكيلومترات التي كانت تفصلني عن نفسي، وأتلصص عليها عن قرب، أطالع هواجسي وأمطر اللوحة قبالتي باعترافات صامتة، لكأنما أكتب ذاكرة لم تكن لي..كما كل الأشياء المهمة التي مرت بحياتنا، ندونها فقط، لا نجهر بها مخافة أن ينكسر إطار الحلم الزجاجي..
الطائرة ترتفع، وهاجس النسيان يهوي، أجدني وسط خنادق الحيرة، رغم مروري عبر التاريخ، نحو العصر العباسي، أستسقي من ديوان المتنبي الذي حشدته لهذه المناسبة، أطالع الصفحات الأولى منه..أرتمي بين ثنايا ألوانه المختلفة، باختلاف ما تضمره نفسي، أدقق في شرح النيسابوري وأعيد شرحه ليستوعبه عقلي..معركة داخلية حسمتها بطي الصفحات ، والعودة إلى بداية النهاية..
سحقا للذاكرة وفوضى الكلمات ولحظات الأخطاء الجميلة، حينما تستلم مقود الفكر، وتسير بك حيث لا تدري، لتجعلك بطل تمثيلية على قدر كبير من الغرابة..تتسلى فيها وحدك بمشاهدة أحلامك المتأخرة..
يؤلمني حالي، فما إن ترتفع الطائرة حتى أرحل خارج الزمن، أواجه القدر بذاكرة معطوبة، يتعرى أمامي الماضي الأنيق، من بذلته المهذبة، يجاوره بركان من الكلمات المتمردة التي ألغت بداخلي كل الأكاذيب المتوارثة..
يعبر العقل ممرات الماضي الضيقة، المعلقة بين السماء والأرض، لكأنه المكان المناسب لأختبأ خلف ظلال الأمنيات المسروقة عنوة من بقايا الأحلام.. وحتى هي..أي الأحلام..صارت جزءا من ذاكرة غطاها الغبار، لبست مبكرا ثوبا مترهلا بقدر فجيعتها المتهدلة..
ما لهذه الأفكار تلاحقني في لحظة سفر غير متوقع، حتى أن مذكرتي لم تحمل موعدا لا مع الزمان القادمة منه ولا المكان المتوجهة إليه؟
في هذا المكان، وعلى هذا القدر من الارتفاع، لا أراني عدا امرأة الانكسارات بامتياز، أجهز جهرا على ما تبقى من ذاكرة تُخيل لي غارقة وسط سيول من الخسارة..أؤذي بها نفسي حد الألم، لتولد هذه الكتابة المتشابكة تشابك الخيوط وسط دوارٍ عقلي..
لا أدري، كيف لي بعد مضي كل هذا الوقت، لم أخلق علاقة ود مع هذا المكان؟..وربما العيب ليس فيه، بل عطب ما أصاب معزوفة الألم التي اخترتها طوعا..فقد تعودت أن أنتقي وجعي بنفسي، سرا، يفضحه فعل الكتابة وفاعل مستتر..
تنزل الطائرة، يصفق الراكبون، وأصفق معهم، على فرحة القدوم المبثورة واستجمام يحمل من الوجع بين كفيه ما يطيح الابتسامة بضربة فاتكة، وعالم من ورق ينهار رويدا رويدا..
من كان يا ترى؟ من ذاك الذي ناجاني همسا!! سمعته يقول:
- حتما..كلنا عابرون..
- قطعا..هو محق..كلنا عابرون..
28 تعليق
التسميات: خواطر نثريةفعلا
كلنا عابرون
تحليق جميل يا أمال ..
ربما كان تحليق الى الوراء الى داخل الزمن ..
وماذا لو تجربين التحليق الحر .. !!! الطفو عند إنعدام الجاذبية .. الله .. ما أروعة ..
حمداً لله على سلامة الوصول ..
:))
بين صوت الماضي وأنين الذكريات
بين أوراق مهترئة ومذكرات لم تكتب بعد
بين السماء وبين الأرض وأزيز الطائرات
كنتِ تكتبين أنتِ وقرأين الماضي
وتتسألين أين كنتِ وأين ستذهبي ومتى ستعودين ؟!
ستبقى الأسئلة تراودكِ
وتلك التأملات تشارك رحلاتكِ
فتدركين حين تصلين الى ذلك المكان
أنكِ كنتِ عابرة !!
؛؛
؛
آيا آمال
للحرف معكِ نكهة عذبة
كثيراً ماأقرأكِ بصوت مسموع
يستمع له القلب ليتقن لغة الجمال
كلنا عابرون ياآمال "
؛؛
؛
لروحك عبق الغاردينيا
كانت هنا
reemaas
برايفت ..
جميلة تلك الصدف
خرجت للتو من مدونتكِ فـ وجدتِكِ في مدونتي
جميلة هي الصدف حين تمنحني حرفكِ العذب :)
ألف الحمدالله على سلامة الوصول وعودة قلمك الجميل
reemaas
سحقا للذاكرة وفوضى الكلمات ولحظات الأخطاء الجميلة، حينما تستلم مقود الفكر، وتسير بك حيث لا تدري، لتجعلك بطل تمثيلية على قدر كبير من الغرابة..تتسلى فيها وحدك بمشاهدة أحلامك المتأخرة..
يارشيقة الكلمة
يا راقية الاحساس
ياصاحبة الفكر العميق الهادىء
احييك على كلماتك هنا وخواطرك التى اعجبتنى جدا
اهمس لك بسر
الطائرة من زمن بعيد تحمل فى فخيلتى سر غير مفهوم خاصة التحليق بها فى المساء ...دائما تحيلنى الى عالم غريب لا يلمس ارض الواقع
وغالبا يجعلنى اتذكر الماضى و افكر فى المستقبل
ربما هى ( الخلطة السرية ) فى طعم السفر والترحال :)
دمت سالمة غاليتى
لك ارق تحية
نفسي اسافر واركب طائرة مرة ثانية .. احاسيس السفر مختلفة ، بتولد بداخلنا كم كبير من المشاعر والاحاسيس التي نختبرها لاول مرة ..
استمتعت بالقراءة .. وصدق القائل .. كلنا عابرون ..
أيكون المكان بين السماء والأرض هو الموضوع الذي يهتز فيه ماضيك ويختلط بحاضرك، فيتشابك الهاجس وتتوهين في خضم أفكار... لكن فعلا استحضارنا للماضي دليل على أن العبارة "كلنا عابرون".
تحيتي
الارتباك النفسى احيانا يواجهنا ونرى انفسنا حائرين بين السماء والارض حائرين بافكارنا وبعقولنا فماذا نفعل وعن ماذا نتكلم
نشعر دائما امال بهذا الاحساس الغير ارادى ولكن يظل لمده قصيره وينتهى كل شىء دمتى دائما بخير تقبلى تحياتى الاحـــــلام
حين ترتفع بعيدا ترى كل شيء صغير فيكون مجال الرؤيا اكبر
فتبدأ تفهم كيف انت وكيف كنت
فتهاجمك الذكريات بانيابها قد تتألم لكنك في النهاية ستفهم
تحياتي لابداعك
راقية ورائعة
جميل ما خطت اناملك امال هنا
تبارك الله عليك
هل كنا عابرين حقا ؟ صعب تقبل مثلا هذه الحقيقة
كلمات رائعة و خاطرة جميلة ، بوركت
وانا امر هنا شعرت بعذوبة الكلمة
ورهف الحس
رجعت بي الذاكرة
وعادت إلى نفسي الامنيات
شعوري الان أذكر انني شعرته من قبل
بعدما قرأتُ لعملاقة الادب "أحلام مستغانمي"
وها هو ينتابني عناه بعدما قرأتُ هنا
هذه الكلمات الهامسة ل "آمال الصالحي"
تحيتي
كلما صعدنا للسماء كلما ارتقينا لأننا نرى حقيقة ما حولنا من عالم نعتقد أنه عملاق ونحن بجانبه صغارا ولكن العكس صحيح فنحن عمالقة والعالم يكبر بنا وبفكرنا وبطموحاتنا
كلنا عابرون
لكن نتباين في الرؤى والمبتغى
البعض عابر رؤاه بعيده ومبتغاه عظيم
وآخر رؤاه أقرب إليه منه ومبتغاه دنيء
مبدعةٌ كما أنتِ دوماً
احترامي
مبدع نسجك للحرف يا أمال
حقا كلنا عابرون
مودتي
من كان يا ترى؟ من ذاك الذي ناجاني همسا!! سمعته يقول:
- حتما..كلنا عابرون..
- قطعا..هو محق..كلنا عابرون..
ماذا يمكنني ان قول واللسان عاجز عن التعبير
باختصاار شديد
شكرا لك اختي عطيتنا درسا وفعلا كلنا عابروون
تحياتي ومودتي لصاحبة الانامل المتميزة
امال
عندما نرحل خارج الزمكان نجد ذواتنا صافية نقية خالية من الضوضاء ونبدأ بالسباحة والغوص في عالمنا الخاص أرق التحايا
أعشق العلو والأرتفاع
وأعشق تلك الأفكار التي تميزنا.
كلنا عابرون
نعم
نعم
شكراً أختي على طرح كهكذا.
على العكس من الاخوة لا احب المرتفعات, كما ان نسبة الاكسجين تقل في المرتفعات مما ي}دي الى شعور بعدم الارتياح في عملية التنفس
كلنا عابرون
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
بارك الله فيك أخي الكريم على التدوينة المميزة
بالتوفيق
روووووووووووووووووووووووووووووعة
رائع لا تعليق
رائع جدا جدا مناظر خلابة
منظر ساحر وجيل نشكرك على الموضوع وحديث النفس هو دائما مقياس القدرات الفردية
مشهد جميل وابداعي جدا
شكراً على عرض خواطرك ونتمني لك سفراً ممتعاً دائماً
دائمًا نعيش حالة التأمل حينما نخلو مع ذاتنا، والسفر يمنحنا هذه التجربة.
إرسال تعليق