ما نوع الغربة التي تعصف بنا يا ترى؟ وهل نصنفها ضمن غربة الزمان، أم غربة المكان، أم غربة العقيدة، أم هي غربة الوطن..؟
ونحن في باريس، كما هو حال جل مواطن الغربة،حسب اعتقادي،قد تكون بعضا من هذا أو جزئه أو كله، هي ما نعيشه ونعايشه، ما يتدخل في أدق تفاصيل حياتنا، إنها تلك الصفحة البيضاء التي نرسم عليها آلامنا، آمالنا، حاضرنا، ومستقبلنا..
لكن الإحساس بهذه الغربة، لن أقول اندثر، ولكن قلت حدته، بدأ يتلاشى تدريجيا مقارنة مع ما شهده الجيل الأول من آبائنا وأجدادنا، الذين وجدوا صعوبة كبيرة في الاندماج يعزى بالأساس إلى جهل أغلبيتهم للغة الفرنسية أو عدم إتقانها، زد على ذلك ما حملوه معهم من موروث ثقافي، وزخم من العادات والتقاليد التي حاولوا الحفاظ عليها والتمسك بتفاصيلها، فاشتغلوا في جميع المجالات، وهذا ما جعلهم في منأى عن الأحداث البارزة، وقطع صلتهم بكل ما هو خارجي، ورضاهم بالنزر اليسير مما تقدمه البلاد المضيفة، وقد آثرت هذه الفئة الانعزال مخافة طمس معالم الهوية الإسلامية لصالح مجتمع غربي.
أما الآن، وقد تغلغلت فئة من الجيل الثاني، والجيل الثالث وسط أحشاء هذه المجتمعات، فدافعوا عن حرياتهم، ورددوا شعاراتهم، وطالبوا بحقوقهم، ثم درسوا وجدوا وثابروا ، واكتسحوا الجامعات والمعاهد، رسموا لأنفسهم صورة تليق بمؤهلاتهم، وجعلوا من بلد الاستقبال يقيمهم بحسب مستوياتهم وقدراتهم، وانخرطوا في ميادين كانت حكرا على الفرنسيين من قبل، وقلة شبه معدومة من المهاجرين، فصاروا بذلك خبراء وتقنيين ورجال أعمال ومهندسين وصحفيين..وشغلوا مناصب قيادية هامة، وترشحوا لانتخابات بلدية وتشريعية، وانظموا لهيئات ومنظمات وأحزاب عدة .
وهذا ما برهن على كون التمسك بالهوية لا يعني الصراع مع الوسط الذي نعيش فيه، أو نبده، أو جعله ذريعة نستتر ورائها لننعزل عن العالم، بقدر ما هو جسر يجب تثبيته لتأصيل أواصر التواصل والتقريب بين الثقافتين والانفتاح على حضارات أخرى .
فتحقيق الاندماج الإيجابي رهين بالفرد نفسه، وبقدرته على الانخراط في مجتمع له عاداته وتقاليده وضوابطه، مع الحفاظ على الهوية الإسلامية، وتثبيت جدورها حتى تستمسك بها الأجيال القادمة، وخلق نوع من الثقة تخدم الطرفين.
هذا ولا ننفي موجات العنصرية التي تضرب كل حين، يدعمها اليمين المتطرف والذي ما فتأ يشن هجومات بين الفينة والأخرى تعزز سياسة التمييز و التهميش، وتولد الحقد، وتضع عقبات في وجه الحضور العربي لتحول دون فرضهم لأسمائهم كشخصيات بارزة وفاعلة، ساهمت ولا تزال في تطوير الفكر وقيام النهضة .
ولمسلمي فرنسا دور في هذا التباين الشديد، وهذا الجهل المطبق بحقيقة الإسلام والمسلمين، فجهودهم للتعريف بهم وبعقيدتهم تبقى ضئيلة أمام الضغوطات المتزايدة عليهم..وهنا أشير إلى دور المراكز الثقافية والإسلامية وكذلك الجمعيات التي كان من المفروض أن تبلور مشاريع حقيقية ملموسة، تهدف إلى التعريف بالإسلام على نطاق واسع، وتحقيق التواصل والانفتاح على الآخر، ونقل كل ما يمكنه أن يكون ذا مردود إيجابي يعود بالنفع على الأمة الإسلامية.
لكن ومع كل هذا، فلن يقف الانتماء، ولا العقيدة، ولا غيرهما، عقبة أمام من يؤمن بنفسه، وبقدراته ومؤهلاته، ويسعى لتحقيق طموحه، ليصبح عضوا فاعلا، وفردا مندمجا، في مجتمع اختاره موطنا بديلا، أو ربما أرغمته الظروف على ذلك.
ونحن في باريس، كما هو حال جل مواطن الغربة،حسب اعتقادي،قد تكون بعضا من هذا أو جزئه أو كله، هي ما نعيشه ونعايشه، ما يتدخل في أدق تفاصيل حياتنا، إنها تلك الصفحة البيضاء التي نرسم عليها آلامنا، آمالنا، حاضرنا، ومستقبلنا..
لكن الإحساس بهذه الغربة، لن أقول اندثر، ولكن قلت حدته، بدأ يتلاشى تدريجيا مقارنة مع ما شهده الجيل الأول من آبائنا وأجدادنا، الذين وجدوا صعوبة كبيرة في الاندماج يعزى بالأساس إلى جهل أغلبيتهم للغة الفرنسية أو عدم إتقانها، زد على ذلك ما حملوه معهم من موروث ثقافي، وزخم من العادات والتقاليد التي حاولوا الحفاظ عليها والتمسك بتفاصيلها، فاشتغلوا في جميع المجالات، وهذا ما جعلهم في منأى عن الأحداث البارزة، وقطع صلتهم بكل ما هو خارجي، ورضاهم بالنزر اليسير مما تقدمه البلاد المضيفة، وقد آثرت هذه الفئة الانعزال مخافة طمس معالم الهوية الإسلامية لصالح مجتمع غربي.
أما الآن، وقد تغلغلت فئة من الجيل الثاني، والجيل الثالث وسط أحشاء هذه المجتمعات، فدافعوا عن حرياتهم، ورددوا شعاراتهم، وطالبوا بحقوقهم، ثم درسوا وجدوا وثابروا ، واكتسحوا الجامعات والمعاهد، رسموا لأنفسهم صورة تليق بمؤهلاتهم، وجعلوا من بلد الاستقبال يقيمهم بحسب مستوياتهم وقدراتهم، وانخرطوا في ميادين كانت حكرا على الفرنسيين من قبل، وقلة شبه معدومة من المهاجرين، فصاروا بذلك خبراء وتقنيين ورجال أعمال ومهندسين وصحفيين..وشغلوا مناصب قيادية هامة، وترشحوا لانتخابات بلدية وتشريعية، وانظموا لهيئات ومنظمات وأحزاب عدة .
وهذا ما برهن على كون التمسك بالهوية لا يعني الصراع مع الوسط الذي نعيش فيه، أو نبده، أو جعله ذريعة نستتر ورائها لننعزل عن العالم، بقدر ما هو جسر يجب تثبيته لتأصيل أواصر التواصل والتقريب بين الثقافتين والانفتاح على حضارات أخرى .
فتحقيق الاندماج الإيجابي رهين بالفرد نفسه، وبقدرته على الانخراط في مجتمع له عاداته وتقاليده وضوابطه، مع الحفاظ على الهوية الإسلامية، وتثبيت جدورها حتى تستمسك بها الأجيال القادمة، وخلق نوع من الثقة تخدم الطرفين.
هذا ولا ننفي موجات العنصرية التي تضرب كل حين، يدعمها اليمين المتطرف والذي ما فتأ يشن هجومات بين الفينة والأخرى تعزز سياسة التمييز و التهميش، وتولد الحقد، وتضع عقبات في وجه الحضور العربي لتحول دون فرضهم لأسمائهم كشخصيات بارزة وفاعلة، ساهمت ولا تزال في تطوير الفكر وقيام النهضة .
ولمسلمي فرنسا دور في هذا التباين الشديد، وهذا الجهل المطبق بحقيقة الإسلام والمسلمين، فجهودهم للتعريف بهم وبعقيدتهم تبقى ضئيلة أمام الضغوطات المتزايدة عليهم..وهنا أشير إلى دور المراكز الثقافية والإسلامية وكذلك الجمعيات التي كان من المفروض أن تبلور مشاريع حقيقية ملموسة، تهدف إلى التعريف بالإسلام على نطاق واسع، وتحقيق التواصل والانفتاح على الآخر، ونقل كل ما يمكنه أن يكون ذا مردود إيجابي يعود بالنفع على الأمة الإسلامية.
لكن ومع كل هذا، فلن يقف الانتماء، ولا العقيدة، ولا غيرهما، عقبة أمام من يؤمن بنفسه، وبقدراته ومؤهلاته، ويسعى لتحقيق طموحه، ليصبح عضوا فاعلا، وفردا مندمجا، في مجتمع اختاره موطنا بديلا، أو ربما أرغمته الظروف على ذلك.
10 تعليق
التسميات: وقفاتسرني كثيرا التعرف على مدونتك، لأول مرة أزورها وأرى أنه قد فاتني الكثير حقا
:(
شخصيا لم أجرب الغربة عن بلدي يوما، لكن لي قريب جدا جربها، ولو أنه كان في بلد له نفس الخلفية الدينية واللغوية ، الا أنه كمهاجر، بقي يحس دوما بالغربة
نفس الشيء أحس به خارج مدينتي :)
سعدت بالوجود هنا
سلامووووو
"فتحقيق الاندماج الإيجابي رهين بالفرد نفسه، وبقدرته على الانخراط في مجتمع له عاداته وتقاليده وضوابطه، مع الحفاظ على الهوية الإسلامية، وتثبيت جدورها حتى تستمسك بها الأجيال القادمة، وخلق نوع من الثقة تخدم الطرفين.
"... عين الصواب، مع العلم أن الهوية الإسلامية بدأت تشكل جزءا لا يتجزأ من المنظومة الثقافية والمجتمعية الفرنسية، وذلك مكسب من مجهود لأجيال سبقت، لا ننسى ذلك.
تحياتي وصراحة معجب بكتاباتك.
عزيزتي المغربية /معك حق، الغربة تبقى غربة بمجرد أن تطأ أقدامنا بلدا آخر
لك ولمدينتك أجمل سلام، ويسعدني التواصل معك
مودتي
مرحبا سعيد / أوافقك الرأي ، كل ساهم بطريقته في ما الت إليه العلاقات بين الثقافتين
لك الود والاحترام وشكرا على مرورك الراقي
المغاربة في وطنهم الأم لم يحافظوا على الهوية و العقيدة فما بالك في بلاد الغرب
فالعولمة قد عصفت بالمعاني الجميلة و بالقيم وصبّتنا في قالب واحد و الغاربة لم يندمجوا حتى تخلوا عن هويتهم
سلامي
"التمسك بالهوية لا يعني الصراع مع الوسط الذي نعيش فيه، أو نبده، أو جعله ذريعة نستتر ورائها لننعزل عن العالم، بقدر ما هو جسر يجب تثبيته لتأصيل أواصر التواصل والتقريب بين الثقافتين والانفتاح على حضارات أخرى ."
بعد هذا الكلام، يخرس اللسان، وتتوقف الأنامل عن الكتابة..
مقال رائع، أصبت به كبد الحقيقة، أختي الفاضلة،
دمت بود وسعادة..
كنت هنا..
مفيد..العولمة ستعصف وتعصف، والرابح من يتصدى لها، يقبل على خيرها ويدبر على شرها، والهوية هي الإنسان ذاته، ولكل طريقته في التعايش معها.
سلم مرورك الجميل
خالد..أسعدني اقترابك من الفكرة التي أردت إيصالها، وقد انطلقت فيها من قناعة شخصية
وإيمان بالذات..
شكرا لوجودك بيننا
فلن يقف الانتماء، ولا العقيدة، ولا غيرهما، عقبة أمام من يؤمن بنفسه، وبقدراته ومؤهلاته، ويسعى لتحقيق طموحه، ليصبح عضوا فاعلا، وفردا مندمجا، في مجتمع اختاره موطنا بديلا، أو ربما أرغمته الظروف على ذلك .
طبعا مهما قولت مش هلاقى كلام اجمل من كلامك
حقا ابدعتى
بكل عبارات الثناء اشكرك
واتمنى لك السعادة
زورينى
تحياتى
جابدا..مرحبا بك هنا عزيزتي
نورت الصفحة، وأكيد سأزور فضائك بكل سرور
أسعدك الله
إرسال تعليق